التصوف يتسامى إلى نظرية خاصة في المعرفة وسبيل الوصول إليها، وهذه النظرية على ما بينه الغزالى في كتاب إحياء علوم الدين هي: "السعادة التي وعد الله بها المتقين هي المعرفة والتوحيد، والمعرفة هي معرفة حضرة الربوبية المحيطة بكل الموجودات، إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى وأفعاله، والكون كله من أفعاله.
"فما يتجلى من ذلك للقلب هو الجنة بعينها عند قوم وهو سبب استحقاق الجنة عند أهل الحق, وتكون سعة نصيب الإنسان من الجنة بحسب سعة معرفته وبمقدار ما يتجلى له من الله وصفاته وأفعاله. وإنما مراد الطاعات كلها وأعمال الجوارح تصفية القلب وتزكيته وجلاؤه.
"وهذه المعرفة تحصل للإنسان من وجهين: أحدهما: طريق الاستدلال والتعلم ويسمى اعتبارًا واستبصارًا ويختص به العلماء والحكماء.
والثاني: مالا يكون بطريق التعلم ولا الاستدلال، ولكنه يهجم على القلب كأنه ألقى فيه من حيث لا يدرى.
وهو ينقسم إلى ما لا يدرى العبد كيف حصل له، ومن أين حصل، وإلى ما يطلع معه على السبب الذي استفاد منه ذلك العلم، وهو مشاهدة الملك الملقى في القلب، على أنه في الحالين موقن بأن العلم جاءه من الله، والعلم في الحالين بواسطة الملك، فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملك.
والأول يسمى إلهامًا ونفثًا في الروع، ويختص به الأولياء. والثاني وحيًا ويختص به الأنبياء.
وأهل التصوف يؤثرون العلوم الإلهامية دون التعليمية، ويعدونها المعرفة الحقيقية والمشاهدة اليقينية التي يستحيل معها إمكان الخطأ.
ولذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون, والبحث عن الأقاويل والأدلة, بل قالوا إن الطريق إلى تحصيل تلك الدرجة بتقديم المجاهدة، ومحو الصفات المذمومة, وقطع العلائق كلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى .. فطريق الصوفية يرجع إلى تطهير محض وتصفية وجلاء ومحاسبة للنفس ثم استعداد وانتظار للتجلى".