والقصاص، وسمى هذا العلم علم الفقه وهو مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا في العبادات والمعاملات.
والثاني- علم يدل على الأعمال الباطنة ويدعو إليها والأعمال الباطنة هي أعمال القلوب، وسمى هذا العلم الثاني علم التصوف، وسمى المتصوفون أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا من عداهم أهل ظواهر وأهل رسوم.
وأهل الرسوم طائفتان القرّاء، والفقهاء؛ فالقراء هم أهل التنسك والتعبد سواء أكانوا يقرءون القرآن أم لا يقرءون، وهمتهم مقصورة على ظاهر العبادة دون أرواح المعارف وأعمال القلوب.
والفقهاء هم المشتغلون بالفتيا وعلوم الشريعة، وهؤلاء وهؤلاء عند الصوفية أهل رسوم، ففريق مع رسوم العلم، وفريق مع رسوم العبادة.
والتصوف في هذا الدور عبارة عن الأخلاق الدينية ومعانى العبادة.
قال ابن القيم (?) في "مدارج السالكين":
"واجتمعت كلمة الناطقين في هذا العلم أن التصوف هو الخلق".
وقال في موضوع آخر: "إن هذا العلم مبنى على الإرادة فهي أساسه ومجمع بنائه، وهو يشتمل على تفاصيل أحكام الإرادة وهي حركة القلب، ولهذا سمى علم الباطن كما أن علم الفقه يشتمل على تفاصيل أحكام الجوارح، ولهذا سمى علم الظاهر" وبذلك يتبين أن أولى خطوات التصوف في سبيل التكون العلمي كانت عبارة عن نشأة علم الأخلاق الإسلامي.
وهذا التدرج في معنى التصوف طبيعى بسيط لا تبدو فيه دلائل تأثير خارج عن العبادات الإسلامية ولا جهد المفكرين في فهم معانيها وآثارها الروحية واتصالها بالقلوب.
ثم اتسعت أنظار الباحثين في العلوم الدينية ودقت وترامت هممهم إلى الكلام في أصول الدين بعقولهم، ولطفت أذواق المراقبين منهم لمعانى العبادات وحركات القلوب، فأخذ