والحلاج (وقد جمع عين القضاة الهمذانى في كتاب "التمهيدات" بعض هذه الأقوال، ومنها كلمة "الوجود" المشتقة من الوجد، واستعملها صاحب هذا الكتاب أيضًا بمعنى إلباس الّله مخلوقاته صفات في مقابل كلمة "كون"). على أن مذهب الوحدانية هذا مستمد في الواقع من الفكرة التي عرضت منذ القرن الثالث الهجرى وهي أن النور المحمدى الذي قال به الأدرية المسلمون هو عين العقل الفعال الذي ظهر في العهد اليونانى المتأخر، (ولم يبرأ ابن رشد نفسه من التأثر بمذهب الفيض، وذلك أنه قال في كتابه "تهافت التهافت" إن ثبوت الأشياء في علم الّله هو أرقى درجات وجودها وإن النفوس يجب أن تتحد به على نحو ما يتحد عقل منفعل في العقل الفعال). وكان ابن عربي المتوفى عام 638 هـ الموافق 1240 م أول من صاغ أصول مذهب وحدة الوجود. ويلاحظ ابن تيمية أن مذهب ابن عربي في جوهره هو أن وجود المخلوقات عين وجود الخالق: وهو في الحقيقة يرى أن الأشياء تصدر ضرورة عن العلم الإلهى الذي ثبتت فيه معانيها بفيض يتجلى على مراتب خمس. وأن النفس تعود إلى الذات الإلهية الجامعة بتنقلها من الكثرة إلى الموحدة تنقلا ترتبط مراحله ارتباطا منطقيًا. وفصل الفرغانى والجيلى هذا المذهب بعض التفصيل، وما زال الصوفية المسلمون جميعًا يقولون بهذا المذهب، وكثيرًا ما تغنى شعراء الفرس بالعبارة السهلة التي صاغها القونيوى ورتب بها آراء العطار على النحو الآتي: الله هو الوجود من حيث هو كلى لا يقوم بشيء، وهذا الوجود هو الذي يفيض بالكائنات المشخصة كما يفيض البحر من تحت أمواجه.

وفي نهاية القرن السابع عشر الميلادي أثار الكورانى والنابلسى سخط أهل السنة لأنهما انتهيا إلى أن مذهب وحدة الوجود هذا هو أصح ما تؤول به شهادة "أن لا إله إلا الله" في الإسلام (انظر Massignon: Hallaj, ص 784 - 790). ذلك أنهما يذهبان إلى أن الشهادة التي يرى المسلمون أنها تثبت استقلال الله الواحد عن خلقه إنما تدل على اتصاله به اتصالا مطلقا، وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015