وكل هذه الكتب التي وضعت في التراجم تتميز هي والتراجم الإسلامية المتأخرة بخصائص مشتركة. فهي تعنى في الغالب بطريقة الإسناد، وتؤرخ الحوادث- ولا سيما تأريخ الوفاة- بدقة فائقة، وتورد أهم ما يكتنف حياة المترجم له في إيجاز، ولا تخرج الإشارات المختصرة عن هذه الخصائص مضافًا إليها بيانات بأسماء المؤلفات إذا كان المترجم له كاتبا ومقتطفات من الشعر إذا كان شاعرا، وجل مادة التراجم نوادر لم يراع في ترتيبها التأريخ أو الموضوع. وإبراز شخصية المترجم على هذا النمط يترك في الأذهان أثرًا واضحًا في غالب الأحيان، إلا أنه يكون في بعضها مضطربا وبخاصة إذا لم يوجد ما يؤيد صحة هذه النوادر. ومع ذلك فإن هذا المصنف من التأليف- رغم كل ما يرمى به من اطمئنان للأقاويل وعدم السير على قاعدة ما - يعتبر مكملا قيما للحوليات السياسية مصححًا لها بحكم قربه من حياة الناس.

5 - ولقد امتزج التأريخ بالتراجم في عهد متقدم، وشاهد ذلك تلك التواريخ التي تقوم على السير. وكان هذا الأسلوب في التاليف ملائما كل الملاءمة لأولئك الذين كتبوا تواريخ الوزراء مثل محمد بن عبدوس الجهشيارى المتوفى سنة 331 هـ (942 - 943 م) الصابئ المتوفى عام 448 هـ (1056 م) وقد سبق أن تحدثنا عنه، وعلى ابن منجب الصيرفى المتوفى عام 542 هـ (1147 - 1148 م) وهو الذي حدثنا عن وزراء الخلفاء الفاطميين، كما كان ملائما لأولئك الذين صنفوا تواريخ القضاة، ومن أقدم التواريخ التي من هذا القبيل ما كتبه محمد بن يوسف الكندى المتوفى عام 350 هـ (961 م) عن قضاة مصر، وما كتبه محمد بن الحارث الخشنى المتوفى عام 360 هـ (970 - 971 م) عن قضاة قرطبة.

وقد نهج الصولى المتوفى سنة 335 هـ (946 م) نهجا خاصا في "كتاب الأوراق " الذي ألفه في تأريخ العباسيين، إذ جمع بين التراجم السياسية والتراجم الأدبية. ولما قامت البيوت الحاكمة في مختلف الأقاليم طبقت عليها هذه الطريقة حتى حلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015