الجانبين إرادة أهل الاختيار، ويعبر عنها بتسمية المرشح، وتؤلف ركن الإيجاب، وفي الجانب الآخر إرادة الشخص المختار، وتؤلف ركن القبول. وقد يكون هذا التحليل مقبولا، بشرط ألا يصل إلى حد الخلط بين البيعة وبين العقود الشرعية العادية. ذلك لأن البيعة فعل إرادى "من نوعه"، يستلزم وجود الجمهور. ولابد من التأكيد مرة أخرى أن تحليل هذا المبدأ، حتى ولو اعتبر هكذا، لا يكون صحيحا تماما إلا بالنسبة للبيعة المقصود بها الاختيار، وليس بالنسبة للبيعة المقصود بها مجرد إظهار الولاء، لأن الانضواء في الحالة الأخيرة يصبح إلزاميًا، ولا يبقى مجار للحرية في اتخاذ قرار.

ولكن ما هو عدد أهل الاختيار اللازمين بصفة خاصة لصحة الإجراء بالنسبة للبيعة؟ لقد تعددت الآراء في هذا الموضوع وتباينت تباينا عظيما، وتراوحت بين رأى متطرف وآخر يقابله - من رأى يستلزم أن تصدر البيعة من كل "الرجال الصالحين في الدولة بأسرها" إلى رأى يكتفى بصوت فرد واحد. ومهما يكن من أمر فإن هيئة أهل الاختيار كانت تتألف من كبار القوم والأشراف في الدولة.

والبيعة إجراء لا يتم إلا بالاتفاق فحسب. لا يشترط في صحتها، أو حتى يعد دليلا عليها، الحركة البدنية الدالة على الموافقة ولا تأكيدها بقسم، ولا يفرض لإظهار الإرادة أي شكل له قداسته، ويكفى، التعبير عنها صراحة وبشكل قاطع.

ولا يختلف شكل بيعة في كل من الدورين اللذين تقودهما، وهما دورها في الاختيار ودورها في الإيجاب البسيط بالولاء.

وإجراءات البيعة قد تنشعب إلى مجلسين أو عدة مجالس. فمن ناحية اختيار الخلفاء تكون أول خطوة هي- بوجه عام- ما اصطلح على تسميته "بيعة الخاصة"، وفيها يشترك عدد جد محدود من كبار رجال الدولة والحاشية، ثم تليها بيعة العامة. ثم تعقد بعد ذلك مجالس رسمية لعرض البيعة في قصبات الولايات المختلفة.

وثمة بدعة أدخلت منذ عهد الأمويين وهي تجديد البيعة، عندما يلجأ الخليفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015