وفي عام 348 هـ (959 م) نشبت معارك بين الفريقين أدت إلى التخريب وإشعال النار في باب الطاق (المصدر المذكور، ص 390). وفي عام 361 هـ (971 م) أدت القلاقل في الكرخ إلى إحراقها وهلاك 17.000 من أهلها وتخريب 300 حانوت، وكثير من المنازل بفعل النيران (ابن الأثير، جـ 8، ص 207؛ انظر ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 60) وأحرقت النار عام 363 هـ ـ (973 م) جانبًا كبيرًا من الكرخ (مسكويه، جـ 2، ص 327).
ونشبت الفتن في كثير من الأحياء وشبت فيها النار مرارًا عام 381 هـ (991 م؛ ابن الأثير، جـ 9، ص 31). وفي عام 1016 م احترق حيًّا نهر طابق وباب القطن وجانب كبير من حي باب البصرة (ابن الأثير، جـ 9، ص 102؛ انظر أيضًا جـ 8، ص 184, جـ 9، ص 25 - 26، 32، 58). ودمرت أسواق كثيرة عام 422 هـ (1030 م) إبان الفتن (ابن الجوزي: المنتظم، جـ 8، ص 55). وألحق العيارون- الذين نشطوا للعمل بصفة خاصة طوال الربع الأخير من القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) حتى نهاية هذا العهد- بالمدينة دمارًا أكبر وأشاعوا فيها البلبلة والاضطراب (فيما يختص بفعالهم أثناء الحصارين اللذين ضربا حول بغداد، انظر الطبري جـ 3، ص 877، 1008 - 1010، 1552، 1556 - 1557؛ المسعودى، جـ 6، ص 450 وما بعدها). ويسئ المؤرخون فهم طبيعة فعالهم ويظهرونهم بمظهر اللصوص والسرّاق، بيد أن فتنتهم إنما كانت وليدة الأحوال المعاشية القاسية التي كانوا يعانون منها إلى جانب الفوضى السياسية، وكانت ثورتهم موجهة ضد الأغنياء والحكام، وهذا يفسر لنا لمَ كان نشاطهم موجهًا أولًا ضدَ الأغنياء والأسواق والشرطة والأعيان (انظر التنوخى: الفرج بعد الشدة، جـ 2، ص 106، 107 - 108؛ ابن الجوزي: المنتظم، جـ 7، ص 174، 220؛ ابن الأثير، جـ 9، ص 115). ولقد تمسكوا بمباديء أخلاقية لم يحيدوا عنها مثل الشرف وإغاثة الفقراء والنساء والتعاون والصبر والجلد. وارتبط نظام الفتوة من بعد بحركتهم إلى حد ما (انظر ابن الجوزي: تلبيس إبليس، ص