ثم جاء بعده ابنه الحكم الثانى المستنصر بالله، وولى الخلافة وهو يقارب الخمسين، فواصل أعمال أَبيه. وكان ملكًا ورعا. عالمًا، يقترن اسمه خاصة بمسجد قرطبة؛ لأنه وسعه وزينه بالزخارف، وأنفق عليه مبالغ طائلة وأحضر له مهرة الصناع وغالى المواد من بلاد البحر المتوسط ومن بوزنطة. وكان أكبر همّ أَبيه متجهًا إلى تشييد المبانى العامة وإقامة الحصون، وبنى مدينة الزهراء على مسافة ثلاثة أميال شمالى غريب قرطبة لتكون مقرًا له.
وكانت محبة الحكم الثانى للعلم سببًا فى أن يميل إلى الحياة الهادئة من أول الأمر، ولكن المؤرخين يبالغون فى تصويره خليفة لا يعنى بالأمور السياسية. وكان على الحكم أن يحافظ على الحالة التى ترك أبوه البلاد عليها، فلم يكن عليه إلَّا أن يراقب سير دواليب الحكومة من غير اضطراب. وقد نفذ برنامج أَبيه، وكان مترسما لخطاه فى أن لايظل متفرجًا لا يبدى حراكا أمام ما يقع فى شمالى أسبانيا وفى إفريقية.
واستقبل الحكم الثانى أخا سانخو - واسمه أوردونيو الشرير Ordono the Wicked - استقبالًا فخمًا، وصار بالتدريج راعيًا لكل الأمراء المسيحيين فى الشمال كأنهم ولاة يتبعون له.
وكان ساعده الأيمن فى السياسة حاجبه"المصحفى" وكبار الصقالبة، ولعله أسرف فى الثقة بهم إسرافًا يستحق عليه اللوم. وظلت الحكومة الأموية تبذل نشاطًا عظيمًا على شواطئ إفريقية، وكان يظن أن خطر الفاطميين قد زال عند ما رحل المعز إلى مصر، ولكن ممثليه بني صنهاج عادوا إلى مناوأة ولاة بني أمية فى إفريقية الشمالية. ومن جهة أخرى ظل أمراء الأدارسة فى إقليمى طنجة وأصيلا موالين للفاطميين، وقد قاوم حسن بن قَنُّون مقاومة طويلة، ولكنه أخذ فى قلعته"حجر النسر" وأرسل أسيرًا إلى قرطبة. ويمتاز عهد الحكم الثانى بتجدد محاولة النورمانديين (انظر المجوس) للدخول فى أسبانيا عام 355 هـ (966 م).