وكان حكم المنذر ابن محمد الأول وخليفته قصير الأمد (273 - 275 هـ = 886 - 888 م)، قضاه كله فى محاربة ابن حفصون الذى كان نفوذه يزداد يومًا بعد يوم، وفى محاصرة قلعة بباشتر التى كانت خليقة بأن تتكلل بالنجاح لولا أن
المنية عاجلت الأمير. ويظهر أنه مات مسمومًا بيد أخيه عبد الله الذى تولى الحكم بعده.
أما عن حكم عبد الله (275 - 300 هـ = 888 - 912 م) فيقال بحق أنه مرحلة هامة فى إعادة السكينة إلى مملكة قرطبة، رغم أن عهده يبدو خافت النور بالنسبة لعظمة عهد حفيده وخليفته عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر. ولا شك أنه كان شديد القسوة فى قمع كل من أراد خلعه عن العرش ولو كانوا إخوته، شأنه فى هذا شأن كل أمراء ذلك العهد. ولكنه كان يواجه أخطارًا عديدة، ويكافح حركات اضطر أسلافه إلى مكافحتها وكانت تزداد قوة إلى أيامه، واستغرقت ثورة ابن حفصون وحدها معظم أيام حكمه.
ومن جهة أخرى فإن إشبيلية، رغم قربها من قرطبة، كانت على وشك أن تخرج على الحكم الأموى. وكان الحزب الأسبانى والحزب العربى فيها يُضعفان باستمرار سلطة الحاكم الذى ترسله قرطبة. وكانا يطلقان على المدينة طوائف البربر الذين كانوا ينزلون فى الجبال المجاورة. ثم اشتدت عداوة القبائل العربية الكبرى كبنى حجاج وبنى خلدون، وصارت تقض مضجع الأمير شيئاً فشيئًا. وكان رؤساء هذه القبائل أصحاب أراض واسعة، ولهم أتباع مخلصون كثيرون يستطيعون تسليحهم إذا استلزم الأمر ذلك. ولم يكد عبد الله يستقر على عرش الإمارة حتى قام كريب بن خلدون رئيس القبيلة الثانية وأهاج إقليم الشرف كله، وضم إليه زعيم بنى حجاج. ثم عقد محالفة مع الأمير واتفق معه على مهاجمة المولدين فى إشبيلية وأنزل بها الدمار عام 278 هـ (891 م)، ولكن خضوعه كان قصير الأمد.
وفى عام 286 هـ (899 م) وقعت منازعات بين زعماء الأسرتين الكبيرتين