الصادق عن مثله طبقة بعد طبقة، حتى يصل إلى النبىى - صلى الله عليه وسلم -، يخبر كل واحد من هؤلاء الرواة باسم الذى أخبره ونسبه، وكلهم معروف الحال والعين والعدالة والزمان والمكان ليس فى أحد منهم مغمز فى دينه، ولا مطعن فى صدقه وأمانته، مع التحرى والضبط لما رووه كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، وإن كان مروياً بالمعنى، ثم وصلت هذه الأحاديث الصحيحة، المعروف نَقَلتها، الموثوق برواتها، وإلى أئمة هذا الفن الذين تفرغوا لدرسها ونقدها، فنقدوا أحوال الرواة وتراجمهم واحداً واحداً، ونفوا رواية كل من كانت روايته موضع شك، ومن كان صدقه وأمانته موضع ريبة، مهما ضؤلت. وجمعوا هذه الأحاديث فى الكتب، ورواها الناس عنه رواية مستفيضة منتشرة، تبلغ حد التواتر إليهم، وأكثر هذه الأحاديث منقول بنقل الكافة من الناس عن مثلهم إلى أن يصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو داخل فى المتواتر أو فى المشهور، وإما إلى أحد الصحابة، وإما إلى أحد التابعين، وإما أحد الأئمة الأعلام الذين أخذوا عن التابعين أو الذين أخذوا عن أتباع التابعين، وكلهم موضع الصدق والثقة، لا مغمز فى واحد منهم، وكما قال الإمام أبو محمد بن حزم: "هذا نقل خص الله تعالى به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها، وأبقاه عندهم غضاً جديداً على قديم الدهور ... فلا تفوتهم زلة فى كلمة فما فوقها فى شئ من النقل، إن وقعت لأحدهم، ولا يمكن فاسقاً أن يقحم فيه كلمة موضوعة، ولله تعالى الشكر" وقد كتب فى (الملل والنحل) فصلا بديعاً طريفاً فى هذا البحث، أفاض فيه القول كعادته (ج 2 ص 81 - 84)، وقارن فيه بين طرق الإثبات التاريخى لأسانيد الشريعة الإسلامية وبين طرق الإثبات لأسانيد غيرها، ولو أردنا الدفاع عن شريعتنا بالهجوم على غيرها لنلقنا كلامه كله، ولكننا لا نرضى أن نسير فى هذا الطريق. إن أئمة هذا الفن -فى الحديث- احتاطوا أشد الاحتياط فى النقل، فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015