خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} 1.
قَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير الْآيَة الْكَرِيمَة: "لم يَكُونُوا يخلون من أحد أَمريْن:
إِمَّا أَن يَقُولُوا: هُوَ يعذبنا، فَيُقَال لَهُم: فلستم إِذا أبناؤه وَلَا أحباؤه فَإِن الحبيب لَا يعذب حَبِيبه، وَأَنْتُم تقرون بعذابه وَذَلِكَ دَلِيل على كذبكم، وَإِمَّا أَن يَقُولُوا: لَا يعذبنا، فيكذبوا مَا فِي كتبهمْ وَمَا جَاءَت بِهِ رسلهم، ويبيحوا الْمعاصِي وهم معترفون بِعَذَاب العصاة مِنْهُم فيلتزمون أَحْكَام كتبهمْ"2.
قلتُ: قد كَانَ وسيكون عَذَاب الله عز وَجل للْيَهُود على ذنوبهم فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة كَمَا بينّاه فِي أثْنَاء الحَدِيث عَن تاريخهم3.
ثمَّ بَيَّن الله عز وَجل بطلَان اصل الادعاء، وبيّن لَهُم مَا هُوَ الْحق من أَمرهم فَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} أَي لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمتم أَيهَا الْيَهُود، بل الْحق أَنكُمْ كَسَائِر الْبشر من خلق الله إِن آمنتم وأصلحتم أَعمالكُم نلتم الثَّوَاب، وَإِن بَقِيتُمْ على كفركم وجحودكم نلتم الْعقَاب، لَا فضل لأحد على أحد عِنْد الله إِلَّا بِالْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح4.
فَالنَّاس من أصل وَأب وَاحِد من آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ من تُرَاب قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} 5.