الْأَوَّلَ فِي التَّوْضِيحِ لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَسَحْنُونٍ وَالثَّانِيَ لِأَشْهَبَ وَالثَّالِثَ لِابْنِ حَبِيبٍ وَالرَّابِعَ لِسَحْنُونٍ أَيْضًا وَأَشْهَبَ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ عِيسَى بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ الْأَرْبَعَةَ: وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا هِيَ تَكْفِيرٌ لِلذَّنْبِ وَمَنْ تَأَوَّلَ لَمْ يُذْنِبْ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُجَاوِزٌ عَنْ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِهِ بِرُمَّتِهِ فِي رَسْمٍ سَلَفَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصْبَحَ فِي الْحَضْرَةِ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَتَأَوَّلَ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ فَأَكَلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَسَافَرَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءَ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ سَافَرَ أَوْ لَمْ يُسَافِرْ وَالثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَافَرَ أَوْ لَمْ يُسَافِرْ وَالثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يُسَافِرَ أَوْ لَا يُسَافِرُ وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ إنْ أَكَلَ قَبْلَ الْأَخْذِ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ كَفَّرَ سَافَرَ أَمْ لَمْ يُسَافِرْ وَإِنْ أَكَلَ بَعْدَ الْأَخْذِ فِي أُهْبَةِ السَّفَرِ كَفَّرَ إنْ لَمْ يَخْرُجْ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِحَالٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِرُمَّتِهِ ثُمَّ قَالَ: وَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا فَحَبَسَهُ مَطَرٌ فَأَفْطَرَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ كَلَامِهِ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ وَأَمَّا إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ فِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَظَاهِرُهَا سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُتَأَوِّلًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعِنْدِي أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاعْتَمَدَهُ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ: وَحُرِّمَ فِطْرُهُ إنْ خَرَجَ نَهَارًا أَوْ نَوَاهُ بِسَفَرٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي إنْ تَأَوَّلَ وَإِلَّا فَمَشْهُورُهَا يُكَفِّرُ فِي الثَّانِي فَقَطْ وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ، انْتَهَى.
وَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَأَوِّلِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْعُتْبِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ اعْتَرَضَهُ التُّونُسِيُّ يَعْنِي نَصَّ الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ: فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَذَكَرَ لَفْظَهَا الْمُتَقَدِّمَ وَأَمَّا إذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ فِي الْحَضَرِ وَسَافَرَ ثُمَّ أَفْطَرَ بَعْدَ سَفَرِهِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ وَظَاهِرُهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُتَأَوِّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّامِلِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَ سَفَرِهِ فَإِنْ تَأَوَّلَ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فَقَوْلَانِ وَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ إنْ تَأَوَّلَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فَحَكَى فِيهِ الْخِلَافَ قَالَ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي مَسْأَلَةَ مَا إذَا نَوَى فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ وَمَسْأَلَةَ مَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فَقَالَ فِيهِمَا فَإِنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَرَابِعُهَا الْعَكْسُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَظَاهِرُهَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِالْتِزَامِهِ الصَّوْمَ وَفِطْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَالْمَشْهُورُ تَجِبُ فِيمَا إذَا نَوَى فِي السَّفَرِ دُونَ مَا إذَا صَامَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ؛ لِأَنَّ طُرُوُّ السَّفَرِ مُبِيحٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُبِيحٌ وَعَكْسُ الْمَشْهُورِ لِلْمَخْزُومِيِّ وَابْنِ كِنَانَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الصَّوْمِ فِي حَقِّ مَنْ أَنْشَأَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حِينَ الْإِنْشَاءِ إلَّا الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ صَائِمًا فَإِنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا فِي الْفِطْرِ ابْتِدَاءً، انْتَهَى.
وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَتَيْ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ حُكْمِ مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ وَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ فِي الْحَضَرِ فَسَكَتَ عَنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَقْوَى؛ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ لِمَالِكٍ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَفِطْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ بِالْأَحْرَوِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ بِسَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَأَحْرَى إذَا أَفْطَرَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى أَهْلِهِ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْأَضْعَفَ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ أَشْهَبُ