طَلَبَةِ الْعِلْمِ عَنْ شَارِحِ الرِّسَالَةِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ السَّفَرَ فِي رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُبَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ إلَّا الْإِفْطَارُ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ الْحَجَّ فَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ لِيَسْقُطَ عَنْهُ الْحَجُّ ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ حَاضَتْ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ حَيْضَتِهَا وَأَخَّرَتْ الصَّلَاةَ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ، انْتَهَى.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْحَائِضَ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءٌ وَهِيَ عَاصِيَةٌ وَالْمُتَصَدِّقُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَالْمُسَافِرُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْقَضَاءُ وَزَادَ الْمُقِيمُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَيُسَافِرُ وَيُصَلِّيهَا صَلَاةَ قَصْرٍ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْجُزُولِيُّ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُؤَثَّمٌ فِي هَذَا كُلِّهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالْجُزُولِيُّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي زَكَاةِ الْخُلَطَاءِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَهُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَنَصُّهُ: وَمِنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» . ثُمَّ قَالَ: اُخْتُلِفَ فِي الْحَدِيثِ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِيمَنْ بَاعَ إبِلًا بَعْدَ الْحَوْلِ بِذَهَبٍ فِرَارًا أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ الذَّهَبِ فَعَلَى هَذَا مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَلَوْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَجَّ وَعَلِمَ ذَلِكَ أَوْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ إرَادَةً لِسُقُوطِ الصَّوْمِ عَنْهُ الْآنَ أَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الْحَضَرِ عَنْ وَقْتِهَا لِيُصَلِّيَهَا فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَخَّرَتْ امْرَأَةٌ صَلَاةً بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا رَجَاءَ أَنْ تَحِيضَ فَحَاضَتْ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى هَذَا فِي السَّفَرِ صِيَامٌ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا وَلَا عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءٌ، انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْخَلْطَةِ وَقَبِلَهُ إلَّا أَنَّهُ نَاقَشَهُ فِي احْتِجَاجِهِ عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَنَصَّهُ اللَّخْمِيُّ: مَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ وَرِوَايَةُ ابْنِ شَعْبَانَ مَنْ بَاعَ إبِلًا بَعْدَ الْحَوْلِ بِذَهَبٍ فِرَارًا زَكَّى زَكَاةَ الْعَيْنِ عَلَى النَّدْبِ ثُمَّ قَالَ: وَاحْتِجَاجُ اللَّخْمِيُّ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ بِأَنَّ مَنْ قَصَدَ سُقُوطَ الْحَجِّ عَنْهُ بِصَدَقَتِهِ مَا يَنْفِي اسْتِطَاعَتَهُ أَوْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ لِسُقُوطِ صَوْمِهِ أَوْ أَخَّرَ صَلَاةً لِيُصَلِّيَهَا فِي سَفَرِهِ قَصْرًا أَوْ امْرَأَةٌ لِتَحِيضَ فَتُسْقِطُ لَمْ يُعَامَلُوا بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِمْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ فِي الْحَجِّ لِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَبِأَنَّ السَّفَرَ وَالتَّأْخِيرَ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُمَا وَالتَّفْرِيقُ وَالِاجْتِمَاعُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا وَتَعْبِيرُهُ بِالنَّدْبِ دُونَ الْكَرَاهَةِ مُتَعَقَّبٌ، انْتَهَى. قَوْلُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالنَّدْبِ دُونَ الْكَرَاهَةِ مُتَعَقَّبٌ يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ قَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ الْأُصُولِ الْمُعَامَلَةُ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ الْفَاسِدِ وَخَالَفُوا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْمُتَصَدِّقِ بِكُلِّ الْمَالِ لِإِسْقَاطِ فَرْضِ الْحَجِّ وَمُنْشِئِ السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ لِلْإِفْطَارِ وَمُؤَخِّرِ الصَّلَاةِ إلَى السَّفَرِ لِلتَّقْصِيرِ أَوْ إلَى الْحَيْضِ لِلسُّقُوطِ، انْتَهَى. فَمَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَيُعَامَلُ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنَّ مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ مِنْ السَّفَرِ إلَّا الْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ سَفَرَهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُبَاحًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّهُ مَأْثُومٌ فِي هَذَا كُلِّهِ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَوَازِ وَصَرَّحَ فِي الْمَدْخَلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِمَالِهِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ الشَّيْخِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَائِضِ أَنَّهَا عَاصِيَةٌ وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فَالْفِطْرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْحَرَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجُزُولِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَنْوِهِ فِيهِ) ش ذَكَرَ لِجَوَازِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ