وَتُقِدِّمَ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَعُودَ، فَإِنْ فَعَلَ عُوقِبَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالرِّضَا، نَقْلَهُ اللَّخْمِيُّ، انْتَهَى.
وَفِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالرِّضَا، فَلَا يُعَاقَبُ وَيُغْلَظُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْعِظَةِ، انْتَهَى.
ص: (وَفِي تَلْفِيقِ شَاهِدٍ أَوَّلَهُ لِآخَرَ آخِرَهُ، وَلُزُومِهِ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ بِشَاهِدٍ- تَرَدُّدٌ) ش: ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ تَرَدَّدَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا:
الْأُولَى: إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ الشَّهْرُ بِشَهَادَتِهِ لِانْفِرَادِهِ، وَشَهِدَ آخَرُ فِي آخِرِهِ بِرُؤْيَةِ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ تَصْدِيقَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، فَهَلْ تُضَمُّ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَوْ لَا تُضَمُّ؟ وَذَلِكَ لَهُ صُورَتَانِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الثَّانِيَ إِمَّا أَنْ يَشْهَدَ بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَ ثَلَاثِينَ، فَإِنْ شَهِدَ بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ فَشَهَادَتُهُ مُصَدِّقَةٌ لِشَهَادَةِ الْأَوَّلِ إِذْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ بَعْدَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَقَدِ اتَّفَقَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَلْزَمُ قَضَاؤُهُ وَلَا يُفْطِرُونَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ لَا تُوجِبُ كَوْنَ هَذَا الْيَوْمِ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الشَّهْرِ كَامِلًا، وَإِنَّ شَهِدَ الثَّانِي بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ رُؤْيَةِ الْأَوَّلِ فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَجِبُ الْفِطْرُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي شَوَّالٍ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ بِحَالٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُلَفَّقُ الشَّهَادَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُلَفِّقُ الشَّهَادَةَ فِي الْأَفْعَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُلَفَّقُ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِعَكْسِهِ إِنَّ كَانَتْ رُؤْيَةُ الثَّانِي فِي غَيْمٍ، وَإِلَّا بَطَلَتَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي ضَمٍّ مُنْفَرِدٍ لِآخَرَ فِيمَا يَلِيهِ.
ثَالِثُهَا: إِنْ رَآهُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ لِرُؤْيَةِ الْأَوَّلِ لِأَحَدٍ وَثَلَاثِينَ.
وَرَابِعُهَا: عَكْسُهُ، إِنْ كَانَتْ رُؤْيَةُ الثَّانِي فِي غَيْمٍ وَإِلَّا بَطَلَتَا، وَعَزَا الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ - وَهُوَ الضَّمُّ مُطْلَقًا - لِتَخْرِيجِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى ضَمِّ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُلَفَّقَتَيْنِ فِيمَا يُوجِبُهُ الْحَكَمُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ عَدَمُ الضَّمِّ مُطْلَقًا - لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لِنَقْلِ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ لِلَّخْمِيِّ.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنِ ابْنِ زُرْقُونَ أَنَّهُ قَالَ: وَالصَّوَابُ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ: لَا تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ بِحَالٍ، وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّهُمَا يَتَخَرَّجَانِ عَلَى الْقَوْلِ فِي الشَّاهِدَيْنِ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى مَا يُوجِبُهُ الْحَكَمُ وَاخْتَلَفَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تَجُوزُ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(قُلْتُ) : إِذَا عُلِمَ هَذَا، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ لِتَرْجِيحِ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ زُرْقُونَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا حَكَمَ الْمُخَالِفُ فِي الصَّوْمِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ كَالشَّافِعِيِّ، فَهَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ جَمِيعَ النَّاسِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَافَقَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، وَقَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفَصِيُّ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَتْوَى وَلَيْسَ بِحُكْمٍ، وَقَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَتَيْنِ؟
وَقَالَ سَنَدٌ: لَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لَمْ يَسَعِ الْعَامَّةَ مُخَالَفَتُهُ؛ لَأَنَّ حُكْمَهُ صَادَفَ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُخَالَفَ. وَفِيهِ نَظَرٌ يَرْجِعُ إِلَى تَحْقِيقِ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ إِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إِثْبَاتُ الشَّهَادَةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ زَائِدٍ، وَإِذَا قَالَ الْحَاكِمُ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَحْدَهُ، وَقَدْ أَجْزْتُ شَهَادَتَهُ وَحَكَمْتُ بِالصَّوْمِ- تُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ فَتْوَى لَا حُكْمٍ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي هَذَا الْفَرْعِ شَيْئًا بَلْ تَرَدَّدَ فِيهِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَكَلَامُ سَنَدٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) : وَانْظُرْ إِذَا قُلْنَا: يَلْزَمُ الْمَالِكِيَّ الصَّوْمُ كَمَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، فَصَامَ وَأَكْمَلُوا