طَرِيقِ الْحِسَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّادِسُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إِثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَاقْدُرُوا لَهُ» فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: «فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ» مُفَسِّرٌ لَهُ، وَذَهَبَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ لَهُ، وَإِلَى أَنَّ مَعْنَى التَّقْدِيرِ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ: بِأَنْ يَنْظُرَ إِذَا غُمَّ الْهِلَالُ لَيْلَةَ الشَّكِّ إِلَى سُقُوطِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ سَقَطَ لِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ - وَهِيَ سِتَّةُ أَسْبَاعِ سَاعَةٍ - عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَإِنْ غَابَ لِمَنْزِلَتَيْنِ عَلِمَ أَنَّهُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَقَضَوُا الْيَوْمَ، وَهَذَا قَوْلٌ خَطَأٌ؛ إِذْ لَا يَسْقَطُ الْقَمَرُ فِي أَوَّلِ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ - كَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا - لِسِتَّةِ أَسْبَاعِ سَاعَةٍ، هَذَا يُعْلَمُ يَقِينًا بِمُشَاهَدَةِ بَعْضِ الْأَهِلَّةِ أَرْفَعَ وَأَبْطَأَ مَغِيبًا مِنْ بَعْضٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمُقْتَضَاهُ فِي أَنَّ التَّقْدِيرَ إِنَّمَا أُمِرَ بِهِ ابْتِدَاءً قَبْلَ الْفَوَاتِ لِيَصُومَ أَوْ لِيُفْطِرَ، لَا فِي الِانْتِهَاءِ بَعْدَ الْفَوَاتِ لِيَقْضِيَ أَوْ لَا يَقْضِي، وَالَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي مَعْنَى التَّقْدِيرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ «إِذَا غُمَّ الْهِلَالُ» : أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا قَبْلَ هَذَا الَّذِي غُمَّ الْهِلَالُ عِنْدَ آخِرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، فَإِنْ كَانَ تَوَالَى مِنْهَا شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كَامِلَةٌ عَمِلَ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ نَاقِصٌ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ صِيَامًا، وَإِنْ كَانَتْ تَوَالَتْ نَاقِصَةً عَمِلَ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ كَامِلٌ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ مُفْطِرِينَ؛ إِذْ لَا تَتَمَادَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ نَاقِصَةٌ وَلَا كَامِلَةٌ عَلَى مَا عُلِمَ بِمَا أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ، وَلَا ثَلَاثَةَ أَيْضًا نَاقِصَةً وَلَا كَامِلَةً إِلَّا فِي النَّادِرِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَوَالَ قَبْلَ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي غُمَّ الْهِلَالُ فِي آخِرِهِ شَهْرَانِ فَأَكْثَرَ كَامِلَةً وَلَا نَاقِصَةً احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّهْرُ نَاقِصًا أَوْ كَامِلًا احْتِمَالًا وَاحِدًا يُوجِبُ أَنْ يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ، فَيَكُونُ - عَلَى هَذَا - الْحَدِيثَانِ جَمِيعًا مُسْتَعْمَلَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِ صَاحِبِهِ، وَهَذَا فِي الصَّوْمِ.
وَأَمَّا فِي الْفِطْرِ إِذَا غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَلَا يُفْطِرُ بِالتَّقْدِيرِ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ رَمَضَانَ نَاقِصٌ، انْتَهَى.
وَتَفْسِيرُ مَالِكٍ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَمَا عَدَاهُ فِيهِ مَا فِيهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ تَفْسِيرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّمَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] أَيْ تَمَامًا، انْتَهَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
السَّابِعُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ابْنُ حَبِيبٍ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلُ الْعَارِفُ، فَإِنْ أَكَلَ فِي أَذَانٍ سَأَلَهُ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَإِلَّا قَضَى.
الْبَاجِيُّ: مَنْ يَحْضُرُ يُؤْذِّنُ مُؤَذِّنُهُ عِنْدَ الْفَجْرِ فِي وُجُوبِ كَفِّهِ بِأَذَانِهِمْ، وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْفَجْرَ مَا طَلَعَ، وَبَعْدَ أَذَانِهِمْ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ غَرَبَتْ- رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَنَصَفَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَجُوزُ لَهُ تَصْدِيقُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ، فَإِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْفَجْرِ فَلْيَكُفَّ وَلْيَسْأَلِ الْمُؤَذِّنَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَيَعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا وَلَا عَارِفًا فَلْيَقْضِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ فَلْيُقْضِ وَيُبَاحُ لَهُ فِطْرُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالتَّمَادِي، وَإِنْ كَانَ فِي تَطَوُّعٍ أَتَمَّهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَا عِلْمَ عِنْدِهِ بِالْفَجْرِ- يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَلْمٌ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ عِيسَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إِذَا أُمِنَ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (وَلَا يُفْطِرُ مُنْفَرِدٌ بِشَوَّالٍ وَلَوْ أَمِنَ الظُّهُورَ إِلَّا بِمُبِيحٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنِ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، سَوَاءٌ خَافَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ أَوْ أَمِنَ مِنَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ عُذْرٌ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سِفْرٍ أَوْ حَيْضٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إِذَا كَانَ الْعُذْرُ مِمَّا يَخْفَى مَعَهُ الْفِطْرُ، وَنَصُّهُ - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيمَا إِذَا أَمِنَ مِنَ الظُّهُورِ -: وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ يَخْفَى مَعَهُ الْفِطْرُ، فَإِنْ كَانَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ مَرَضٌ يُمْكِنُهُ مَعَهُ الصَّوْمُ بِلَا مَشَقَّةٍ فَلْيَرَ هُوَ مِنْ