عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ النَّقْلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي رَجَّحَهُ الشُّيُوخُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَبْعَثُوهُ لِيَكْشِفَ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُخْبِرَهُمْ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ إنْ بَعَثَ رَجُلًا إلَى أَهْلِ بَلَدٍ لِيُخْبِرَهُ عَنْ رُؤْيَتِهِمْ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ صَامُوا بِرُؤْيَةٍ مُسْتَفِيضَةٍ أَوْ بِثُبُوتِ الْهِلَالِ عِنْدَ قَاضِيهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الصِّيَامُ فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً وَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ شَاهِدٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، انْتَهَى.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ إذَا بَعَثَ مَنْ يَكْشِفُ لَهُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمَا يُخْبِرُهُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُنْفَرِدٍ مَنْ يُرْسِلُهُ الشَّخْصُ لِيَكْشِفَ لَهُ عَنْ الْهِلَالِ فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بِإِخْبَارِهِ.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوَاحِدِ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّقْلِ عَمَّا يَثْبُتُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ الْخَبَرِ الْمُنْتَشِرِ لَا عَنْ الشَّاهِدَيْنِ، انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ النَّقْلَ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ نَقْلٌ عَنْ شَهَادَةٍ وَلَا يَكْفِي فِي نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَاحِدٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: صِيَامُ رَمَضَانَ يَجِبُ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يُرَى الْهِلَالُ أَوْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ عِنْدَهُ وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ الْعَدْلُ بِذَلِكَ أَوْ عَنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ رُؤْيَةً عَامَّةً وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ إنَّهُمْ صَامُوا بِرُؤْيَةٍ عَامَّةٍ أَوْ بِثُبُوتِ رُؤْيَةٍ عِنْدَ قَاضِيهِمْ وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا قَدْ رَأَيَاهُ وَإِمَّا أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إمَامٌ يَتَفَقَّدُ أَمْرَ الْهِلَالِ بِالِاهْتِبَالِ بِهِ، انْتَهَى. فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ الْإِمَامُ: ثَبَتَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ خَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مُوَافِقًا لِلْمُخْبِرِ وَأَمَّا لَوْ أَخْبَرَ شَافِعِيٌّ مَالِكِيًّا فَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى.
((قُلْتُ)) يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ بِمَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ ثَبَتَ بِعَدْلٍ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا لَوْ رَآهُ الْقَاضِي أَوْ الْخَلِيفَةُ وَحْدَهُ لَمْ يَلْزَمْ النَّاسَ الصَّوْمُ بِرُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُنْفَرِدِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ. .
(الرَّابِعُ) إذَا قَالَ شَخْصٌ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ. لَمْ يَصِحَّ بِذَلِكَ الصَّوْمُ لِصَاحِبِ الْمَنَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَلِكَ لِاخْتِلَالِ ضَبْطِ النَّائِمِ لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَنَقَلَهُ الدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُ (الْخَامِسُ) إنْ قِيلَ: وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ» لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ نَقْصُهُمَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ» . وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ اثْنَانِ ثَلَاثُونَ ثَلَاثُونَ وَسَبْعَةٌ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ» وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ: إنَّهُمَا لَا يَنْقُصَانِ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ: لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُلْتَزَمُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُهُمَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا كَأَهْلِهِ وَمَنْ لَا اعْتِنَاءَ لَهُمْ بِأَمْرِهِ)
ش: إنْ جَعَلْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا بِمُنْفَرِدٍ مُخْرَجًا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّقْلِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنْ نَقَلَ الْمُنْفَرِدُ عَنْ ثُبُوتِ الْهِلَالِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ عَنْ الرُّؤْيَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ لَهُ يَثْبُتُ بِهِ الْهِلَالُ إلَّا إذَا نَقَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إلَى