السُّنَّةِ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ كَالْقَطَانِيِّ وَالتِّينِ وَالسَّوِيقِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِي، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَيْ فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُ مَا ذُكِرَ فَهَلْ يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ؟ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ غَيْرَ قُوتِهِ حَرَجًا عَلَيْهِ، وَرَأَى فِي الْقَوْلِ الْآخَرَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْقَطَانِيِّ أَنَّهَا لَا تُخْرَجُ، وَإِنْ كَانَتْ قُوتَهُ، انْتَهَى. فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَلَوْ اُقْتِيتَ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوتٌ غَيْرَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَلَسُ جُلَّ عَيْشِ قَوْمٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ مَوْجُودٌ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا، وَذُكِرَ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْقَرَوِيِّينَ رَوَوْا الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، قَالَ: وَاخْتَصَرَهَا عَلَيْهِ حَمْدِيسٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: مَا تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، سَوَاءٌ كَانَ جُلَّ الْعَيْشِ أَوْ لَا، وَهُوَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ إذَا كَانَ جُلُّ عَيْشِهِمْ جُلَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تُؤَدَّى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتُجْزِئُهُ، وَالثَّلَاثَةُ فِيمَا بَيْنَهَا يُخْرِجُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى وَلَا نَعْكِسُ، وَغَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ السَّبْعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا يُخْرَجُ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ جُلَّ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَغَيْرُ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ جُلَّ الْعَيْشِ، وَاخْتُلِفَ، هَلْ يُخْرَجُ مِنْهَا إذَا كَانَتْ جُلَّ الْعَيْشِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: الْمُعْتَبَرُ بِالْغَالِبِ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا مَا قَبْلَهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرَةِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِينَ فَيُعْتَبَرُ مَا يُؤْكَلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَلِأَنَّهُ بِفَرَاغِهِ تَجِبُ، وَعَارَضَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْخَلِيطَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اجْتِمَاعُهُمَا وَافْتِرَاقُهُمَا قُرْبَ الْحَوْلِ، وَأَجَبْتُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِالتُّهْمَةِ عَلَى الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِتْهَامُهُمَا أَقْرَبُ مِنْ إتْهَامِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَبِأَنَّ رَمَضَانَ هُوَ السَّبَبُ بِذَاتِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لَا جَمِيعَ الْعَامِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَلِيطَيْنِ: السَّبَبُ جَمِيعُ الْعَامِ لَا الشَّهْرُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْخُلْطَةُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَجَابَ بِهِ وَاصْطِلَاحُهُ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِبَعْضِ شُيُوخِهِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَلَمْ أَقِفْ لَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ يَحْكِيهِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ عَرَفَةَ أَوْ وَقَفَ لَهُ عَلَيْهِ فِي فُتْيَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْجُلِّ الْعَامُ كُلُّهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إنَّمَا يُرَاعَى يَوْمُ الْوُجُوبِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَامِ كُلِّهِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ اعْتِبَارِ يَوْمِ الْوُجُوبِ فَبَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ الْعَوَائِدُ أَنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ يَوْمَ الْعِيدِ خِلَافَ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ يَقُولُ: يُعْتَبَرُ الْجُلُّ بِالْفُرْنِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : هَذَا إذَا كَانَ الْفُرْنُ مُتَّحِدًا فِي الْبَلَدِ وَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَخْبِزُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَإِلَّا فَيَخْتَلِفْ الْجُلُّ بِحَسَبِ الْحَارَّاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) إذَا كَانَ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ قُوتَ قَوْمٍ، وَقُلْنَا: يُخْرِجُونَ، فَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي بِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَشِبْهِهِمَا مِقْدَارَ عَيْشِ الصَّاعِ، وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْبُرْزُلِيَّ لَا يَرْتَضِيهِ، وَيَقُولُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُكَالُ كَالْقَمْحِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ وَشِبْهَهُ لَا يُكَالُ وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ، انْتَهَى. (قُلْتُ) : وَمَا قَالَهُ الشَّبِيبِيُّ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) إذَا اقْتَاتَ أَهْلُ بَلَدٍ نَوْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ جُلٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ قُوتِهِ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسُ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ اُخْتُلِفَ فِي الْقُطْنِيَّةِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا كَانَتْ جُلَّ عَيْشِ قَوْمٍ أَجْزَأَتْهُمْ، وَقَالَ