إلَّا أَنْ يَقْتَاتَ غَيْرَهُ)

ش: هَذَا بَيَانٌ لِلْجِنْسِ الَّذِي تُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَذَكَرَ أَنَّهَا تُؤَدَّى مِنْ أَغْلَبْ الْقُوتِ يَعْنِي أَغْلَبَ قُوتِ الْبَلَدِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمُخْرِجُ لَهَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَغْلَبَ مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ أَوْ مِنْ الْأَقِطِ إلَّا الْعَلَسَ فَلَا تُؤَدَّى مِنْهُ، فَإِنْ اقْتَاتَ أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرَ الْمُعَشَّرَاتِ أُخْرِجَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِمَّا يَقْتَاتُونَهُ، هَذَا حِلُّ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَبِعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ كَلَامَ صَاحِبِ الْحَاوِي وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِنَا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُعَشَّرٍ إذَا كَانَ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ بَلَدٍ تُؤَدَّى مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَتُؤَدَّى مِنْ الْقَطَانِيِّ وَالْجُلْجُلَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْأَصْنَافَ التِّسْعَةَ الْآتِي ذِكْرُهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اُقْتِيتَ غَيْرُ الْمُعَشَّرِ يُخْرِجُ مِنْهُ

وَلَوْ وَجَدَ الْمُعَشَّرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ " مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ " لَكَانَ أَخْصَرَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّهَا تُؤَدَّى مِنْ أَغْلَبِ الْقُوتِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ الَّتِي هِيَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالْأُرْزُ فَإِنْ كَانَ غَالِبُ الْقُوتِ فِي بَلَدٍ خِلَافَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ مِنْ عَلَسٍ أَوْ قُطْنِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَشَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مَوْجُودٌ لَمْ تُخْرَجْ إلَّا مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ بَلَدٍ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ، وَإِنَّمَا يَقْتَاتُونَ غَيْرَهَا فَيَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى حِينَئِذٍ مِنْ عَيْشِهِمْ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَتُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْأُرْزِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ صَاعٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا وَيُخْرِجُ ذَلِكَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ مِنْ جُلِّ عَيْشِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَالتَّمْرُ عَيْشُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُخْرِجُ أَهْلُ مِصْرَ إلَّا الْقَمْحَ لِأَنَّهُ جُلُّ عَيْشِهِمْ إلَّا أَنْ يَغْلُوَ سِعْرُهُمْ فَيَكُونُ عَيْشُهُمْ الشَّعِيرَ فَيُجْزِئُهُمْ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُجْزِئُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ شَيْءٌ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَإِنْ أَعْطَى فِي ذَلِكَ قِيمَةَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ مَالِكٌ وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُخْرِجَ فِيهَا تِينًا، وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، مِثْلُ اللُّوبِيَا أَوْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشُ قَوْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُؤَدُّوا مِنْ ذَلِكَ وَيُجْزِئُهُمْ، انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ: الْأَخِيرُ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا تُؤَدَّى مِنْ الْقُطْنِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْشَ قَوْمٍ، قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَرَوَاهُ، وَحَكَاهُ اللَّخْمِيُّ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ، بَلْ الْخِلَافُ فِي كُلِّ مَا يُقْتَاتُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْمًا أَوْ لَبَنًا، انْتَهَى، فَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنَّهَا لَا تُؤَدَّى مِنْ الْقُطْنِيَّةِ إنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ جُلَّ عَيْشٍ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْنَافَ التِّسْعَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا كَذَلِكَ وَيَصِيرُ كَلَامُهُ الْأَخِيرُ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَتْ هِيَ جُلُّ عَيْشِهِمْ وَغَيْرُهَا مَوْجُودٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَحِلُّ الْعَيْشِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَجْزَأَ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَيْشَ قَوْمٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَيْشُهُمْ إلَّا ذَلِكَ، وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَصْنَافِ التِّسْعَةِ فَيُجْزِئُهُمْ حِينَئِذٍ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَقَدْرُهَا صَاعٌ مِنْ الْمُقْتَاتِ فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالذُّرَةِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ، وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَلَسَ، وَقَالَ أَشْهَبُ: مِنْ السُّنَّةِ الْأَوَّلُ خَاصَّةً، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: تَقْدِيرُهَا بِالصَّاعِ فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤَدَّى مِنْ الْبُرِّ مُدَّيْنِ إلَّا صَاعًا، وَقَوْلُهُ " فِي زَمَانِهِ " أَيْ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ، وَلَمْ يُرِدْ بَلَدًا مُعَيَّنًا كَمَا فَهِمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَرَضَ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَذْهَبِ فِي الْعَلَسِ وَبَيْنَ أَشْهَبَ الْمَذْهَبُ فِي الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْعَلَسُ وَالثَّلَاثَةُ غَالِبُ عَيْش قَوْمٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَوْجُودٌ، أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ فَابْنُ حَبِيبٍ يَرَى الْإِخْرَاجَ مِنْ الْعَلَسِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَالْمَشْهُورُ يُخْرَجُ مِنْ التِّسْعَةِ وَأَشْهَبُ يَرَى الْإِخْرَاجَ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015