الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الْوَكَالَةُ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا مِنْ مَالِ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَمِنْ مَالِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْقُرُبَاتِ فَهِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ، وَقَدْ اسْتَنَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا عَلَى نَحْرِ الْبُدْنِ وَنَحْرُهَا قُرْبَةٌ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ شَيْئًا " مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الثَّانِي) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ لَوْ تَصَدَّقَ بِجُمْلَةِ مَالِهِ فَإِنْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ وَمَا زَادَ تَطَوُّعٌ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بِمَا لَوْ صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ يَنْوِي اثْنَيْنِ لِلصُّبْحِ وَالْبَقِيَّةَ لِلنَّفْلِ بِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، انْتَهَى. وَلَفْظُ سَنَدٍ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي مَالِهِ فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهِ فَإِنْ نَوَى أَدَاءَ زَكَاتِهِ وَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ أَجْزَأَهُ وَلَهُ الْفَضْلُ، كَمَنْ أَطْعَمَ فِي كَفَّارَتِهِ مِائَةَ مِسْكِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْهُ الزَّكَاةَ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَهُ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ فِعْلُ الْفَرْضِ وَهُوَ لَمْ يَنْوِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى مِائَةَ رَكْعَةٍ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضٍ وَلَا يَسْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بَلْ تَعَدَّى تَصَرُّفُهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى، فَتَأَمَّلْ آخِرَ كَلَامِ سَنَدٍ مَعَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَحْوُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِ الْإِفْرِيقِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ حَائِطَهُ بَعْدَ الْخَرْصِ لِلْمَسَاكِينِ عَنْ تَبَعَاتِهِ وَلَيْسَتْ التَّبَعَاتُ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَنَوَى دُخُولَ الزَّكَاةِ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ
(الثَّالِثُ) قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ: قَالَ سَنَدٌ: لَوْ عَزَلَ زَكَاتَهُ بَعْدَ وَزْنِهَا لِلْمَسَاكِينِ وَدَفَعَهَا لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ الْأُولَى الْفِعْلِيَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ سَنَدٌ: وَيَنْوِي الْمُزَكِّي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ أَجْزَأَهُ وَتَجِبُ بِالتَّعْيِينِ فَلَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ عَزْلِهَا أَجْزَأَتْ، وَإِذَا عَيَّنَهَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ عِنْدَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا وَيَعْزِلْهَا عَنْ مِلْكِهِ وَجَبَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الدَّفْعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ دَفْعِ الْوَدَائِعِ وَالدُّيُونِ وَغَيْرِهَا، انْتَهَى. وَلَفْظُ سَنَدٍ: وَالنِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ عِنْدَ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ فَيَنْوِي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ أَجْزَأَهُ وَيَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَعْيِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى إخْرَاجِهَا وَدَفْعِهَا فَتَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ كَالْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا تَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِ فَسَوَاءٌ نَوَى عِنْدَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَوْ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمَّا تَعَيَّنَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ نِيَّةٌ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالرَّهْنِ وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الزَّكَاةَ أَوْ يَعْزِلْهَا عَنْ مَالِهِ وَجَبَ مُرَاعَاةُ النِّيَّةِ عِنْدَ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، وَقَدْ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَقَدْ يَكُونُ وَدِيعَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
ص (وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبَهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ أَنْ تُفَرَّقَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ أَوْ قُرْبَهُ كَمَا لَوْ كَانَ زَرْعُهُ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى فُقَرَاءِ الْحَاضِرَةِ، اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ، وَانْظُرْ فَرْضَ الْعَيْنِ لِابْنِ جَمَاعَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُ عَلَى نَقْلِهَا مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فَانْظُرْهُ.
(مَسْأَلَةٌ) وَسَأَلَ السُّيُورِيُّ عَنْ قَادِمِينَ إلَى بَلَدٍ، هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ كَمَا يُعْطَى فُقَرَاءُ الْبَلَدِ أَوْ يُخَصُّ بِهَا أَهْلُ الْبَلَدِ؟ فَأَجَابَ: أَهْلُ بَلَدِهِمْ هُمْ الَّذِينَ يُعْطَوْنَ الْبُرْزُلِيُّ كَانَ أَكْثَرُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الشُّيُوخِ يَقُولُ: يُعْطَوْنَ كَأَهْلِ الْبَلَدِ، وَبَعْضُهُمْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَر يُعْطَى، وَالْمُخْتَارُ لَا يُعْطَى وَيُجْرِيهَا عَلَى مَسْأَلَةِ قُرْطُبَةَ إذَا حَبَسَ عَلَى مَرَضَاهَا، هَلْ يُعْطَى مِنْهَا مَنْ أَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ أَمْ لَا؟ وَالصَّوَابُ الْإِعْطَاءُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ أَهْلِهَا