عَكْسُ مَا نَقَلَ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُمَا إلَّا أَنَّهُمَا نَقَلَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَقَسَمْت ذَلِكَ قَسْمًا وَاحِدًا، وَلَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأُلْحِقَنَّ الْأَسْفَلَ بِالْأَعْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) أَطْلَقَ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ الْقَوْلَ بِأَنَّ دَفْعَهَا لِصِنْفٍ مُجْزِئٌ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَيَّدَ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ هَارُونَ بِمَا عَدَا الْعَامِلَ، قَالَ: إذْ لَا مَعْنَى لِدَفْعِهَا جَمِيعِهَا لَهُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَعَلَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَهُ بَالٌ، وَأَمَّا إنَّ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ وَجَاءَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إعْطَاؤُهُ الْجَمِيعَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ ثُمَّ ذَكَرَهُ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ، وَقَالَ: الْإِشْكَالُ فِي تَبْدِئَةِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ وَجَاءَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ لَا يُسَاوِي مِقْدَارَ أُجْرَتِهِ لَأَخَذَهُ جَمِيعَهُ وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِهِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ: وَصَرْفُهَا فِي أَحَدِهَا غَيْرَ الْعَامِلِ مُجْزِئٌ، انْتَهَى. وَيُقَيَّدُ بِمَا، قَالَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَوْ دُفِعَتْ لِصِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ إلَّا الْعَامِلَ فَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْرَ عَمَلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَالِاسْتِنَابَةُ، وَقَدْ تَجِبُ) ش، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ أَحَدٌ تَفْرِقَةَ صَدَقَةِ مَالِهِ خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ، وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ وَلَكِنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ يَثِقُ بِهِ فَيُقَسِّمَهُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: لَا أُحِبُّ، وَهَذَا بَيِّنٌ أَنْ لَا يُعْجِبَنِي عَلَى مَعْنَى الْكَرَاهَةِ وَأَرَادَ خَوْفَ قَصْدِ الْمَحْمَدَةِ، وَلَوْ جَزَمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْمَحْمَدَةَ لَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ، وَلَوْ جَزَمَ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ لَصَرَّحَ بِالْجَوَازِ، انْتَهَى. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا وَمَصْرِفِهَا وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ أَوْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: مِنْ آدَابِ الزَّكَاةِ أَنْ يَسْتُرَهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، قَالَ، وَقَدْ قِيلَ: الْإِظْهَارُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ، قَالَ شَارِحُهُ: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْعِلْمِ أَنَّ إعْلَانَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ إسْرَارِهَا، وَأَنَّ الْإِسْرَارَ بِصَدَقَةِ النَّوَافِلِ أَفْضَلُ مِنْ إعْلَانِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عَطِيَّةَ وَغَيْرِهِ خِلَافًا فِي صَدَقَةِ الْفَرْضِ لَكِنْ ضَعَّفَ الْقَوْلَ بِإِسْرَارِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَا بَدَأَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ الْمَطْعُونُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: فَأَمَّا سَتْرُهَا فَمُسْتَحَبٌّ لِمَا يَعْرِضُ مِنْ الرِّيَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ تَرْكَهَا فَيُسْتَحَبُّ الْإِظْهَارُ لِلِاقْتِدَاءِ، انْتَهَى. وَهَذَا عَكْسُ مَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَلَى مَا نَقَلَ الْقَبَّابُ فَإِنَّهُ قَالَ كَثُرَ الْمَانِعُ لَهَا وَصَارَ إخْرَاجُهَا عُرْضَةً لِلرِّيَاءِ، انْتَهَى. وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَمَنْ أَيْقَنَ بِسَلَامَتِهِ مِنْ الرِّيَاءِ وَحَسُنَ قَصْدُهُ فِي الْإِظْهَارِ اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ خَوْفُ الرِّيَاءِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِسْرَارُ وَمَنْ تَحَقَّقَ وُقُوعُ الرِّيَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِخْفَاءُ وَالِاسْتِنَابَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) عَنْ عِيَاضٍ فِي آدَابِهَا أَيْضًا دَفْعُهَا بِالْيَمِينِ، وَقَالَ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَدِّقِ وَالْإِمَامِ الدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى دَافِعِهَا، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْقُرْطُبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى السَّاعِي الدُّعَاءُ لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ الصَّدَقَةَ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ، انْتَهَى. وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى نَائِبِهِ أَنْ يَدْعُوَ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ إذَا أَخَذَهَا مِنْهُ لَكِنْ يُنْدَبُ إلَى ذَلِكَ، انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي عَشَرَ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، لَمَّا أَنْ «قَالَ الْأَعْرَابِيُّ لِرَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّكَ لَتُعْطِي مَنْ شِئْت» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ الْأَعْرَابِ الْجُفَاةِ الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ مَنْ تَوَلَّى تَفْرِيقَ الصَّدَقَاتِ لَمْ يَعْدَمْ مَنْ يَلُومُهُ، قَالَ