ش: هَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّامِنُ وَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ الْغَرِيبُ الْمُحْتَاجُ لِمَا يُوصِلُهُ إلَى بَلَدِهِ إذَا كَانَ سَفَرُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، يُرِيدُ: وَلَوْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فَقِيرًا لَا يُنْزَعُ مِنْهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِوَصْفِ الْفَقْرِ، قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يُعْطَى مِنْهَا الْغَازِي وَابْنُ السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ بِمَوْضِعِهِمَا وَمَعَهُمَا مَا يَكْفِيهِمَا، وَلَا أُحِبُّ لَهُمَا أَنْ يَقْبَلَا ذَلِكَ فَإِنْ قَبِلَا فَلَا بَأْسَ، قَالَ أَصْبَغُ: أَمَّا الْغَازِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى، وَإِنْ كَانَ مَلِيًّا وَهُوَ لَهُ فَرْضٌ، وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَلَا يُعْطَى إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُعَدُّ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الَّذِي فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، وَقَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ غَزْوٍ وَلَا تِجَارَةٍ فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى.
ص (وَإِنْ جَلَسَ نُزِعَتْ مِنْهُ)
ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَمَنْ أَخَذَ زَكَاةً لِفَقْرِهِ لَمْ يَرُدَّهَا إنْ اسْتَغْنَى قَبْلَ إنْفَاقِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ الْغَازِيَ وَابْنَ السَّبِيلِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِيهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَسُوغُ لَهُ لِفَقْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ابْنَ سَبِيلٍ، قَالَ: وَفِي الْغَازِي - يَأْخُذُ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ ثُمَّ يَسْتَغْنِي قَبْلَ أَدَائِهِ - إشْكَالٌ، وَلَوْ قِيلَ " يُنْزَعُ مِنْهُ " لَكَانَ وَجْهًا، انْتَهَى.
ص (وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَجْعَلَ زَكَاتَهُ فِيهِمْ، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا آثَرَ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قِسْمٌ مُسَمًّى، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا صِنْفٌ وَاحِدٌ أَجْزَأَ الْإِعْطَاءُ لَهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ وَجَدَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا أَجْزَأَهُ صِنْفٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا وُجِدُوا وَاسْتَحَبَّهُ أَشْهَبُ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ الْعِلْمُ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مَصَالِحِ سَدِّ الْخَلَّةِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْغَزْوِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِمَا يُرْجَى مِنْ بَرَكَةِ دُعَاءِ الْجَمِيعِ وَمُصَادَقَةِ وَلِيٍّ فِيهِمْ، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اسْتِيعَابِ آحَادِهِمْ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَمَّا إجْزَاؤُهَا إذَا دُفِعَتْ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ أَوْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ فَفِيهِ الِاضْطِرَابُ الْمَعْلُومُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَاَلَّذِي تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَيْهِ هُوَ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَذْهَبِ، انْتَهَى.
فَفُهِمَ مِنْهُ إنَّ دَفْعَهَا إلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ الصِّنْفِ كَدَفْعِهَا إلَى الصِّنْفِ فِي جَرْيِ الْخِلَافِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ فِيهِ الْإِجْزَاءَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(الثَّانِي) قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُبْدَأُ فِي الزَّكَاةِ بِأَجْرِ الْعَامِلِينَ ثُمَّ بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَدَّ خَلَّةِ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ أَنْ لَا تُصْرَفَ زَكَاتُهُمْ لِغَيْرِ الْفُقَرَاءِ إلَّا بَعْدَ سَدِّ خَلَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِهِمْ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُسَاوَاةَ لِأُولَئِكَ قَبْلَ الْعَامِ التَّالِي، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مُؤَلَّفَةٌ بَدَأَ بِهِمْ؛ لِأَنَّ اسْتِنْقَاذَهُمْ مِنْ النَّارِ بِإِدْخَالِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ تَثَبُّتَهُمْ عَلَيْهِ إنْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إطْعَامِ فَقِيرٍ، وَقَدْ يُبْدَأُ بِالْغَزْوِ إذَا خَشِيَ عَلَى النَّاسِ، وَيَبْدَأُ بِابْنِ السَّبِيل عَلَى الْفَقِيرِ إذَا كَانَ يُدْرِكُهُ فِي بَقَائِهِ وَتَأَخُّرِهِ ضَرَرٌ، وَالْفَقِيرُ فِي وَطَنِهِ أَقَلُّ ضَرَرًا، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَصَدَّرَهُ بِقَوْلِهِ الْحُكْمُ الثَّانِي: التَّرْتِيبُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ مَا هُوَ الْأَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ " وَنُدِبَ إيثَارُ الْمُضْطَرِّ " وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّخْمِيُّ تَبْدِئَةَ الْمَسَاكِينِ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْوَجُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَحْوَجَ مُقَدَّمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا رُتْبَةَ الْغَارِمِينَ.
(الثَّالِثُ) قَالَ سَنَدٌ: إنْ اسْتَوَتْ الْحَاجَةُ، قَالَ مَالِكٌ: يُؤْثَرُ الْأَدْيَنُ وَلَا يُحْرَمُ غَيْرُهُ، وَكَانَ عُمَرُ يُؤْثِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ، وَيَقُولُ: الْفَضَائِلُ الدِّينِيَّةُ لَهَا أُجُورٌ فِي الْآخِرَةِ، وَالصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُؤْثِرُ بِسَابِقَةِ الْإِسْلَامِ وَالْفَضَائِلِ الدِّينِيَّةِ؛ لِأَنَّ إقَامَةِ بِنْيَةِ الْأَبْرَارِ أَفْضَلُ مِنْ إقَامَةِ بِنِيَّةِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَائِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْعُمَرَيْنِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -