وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ مَسْأَلَةُ مَنْ خَرِسَ لِسَانُهُ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَةِ وَلَا أَحْضَرَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَمَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مَاتَ مُؤْمِنًا وَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَأَخْرَسَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عَاجِزًا عَنْ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَحْكَامُ الَّذِينَ اسْتَحْضَرُوا الْكُفْرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِالْفِعْلِ فَالْمُعْتَبَرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ انْتَهَى.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ وَقَالَ التَّادَلِيُّ إثْرَ كَلَامِ الرِّسَالَةِ الْمُتَقَدِّمِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِهِ قَالَ عِزُّ الدِّينِ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِاسْتِحْبَابِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَالْإِرْشَادِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّلَّاعِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ وَقَدْ رَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِالشَّوَاهِدِ وَعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِّ قَدِيمًا وَقَالَ الْمَتْيَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ إنْسَانٌ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ عَقِبَ دَفْنِهِ وَيَقُولَ لَهُ: يَا فُلَانُ ابْنَ فُلَانٍ، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَوْ يَا أَمَةَ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا، وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُسْلِمِينَ إخْوَانًا رَبِّي اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَقَّدَهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَنْهُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَيَقِفَ عِنْدَ قَبْرِهِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيُلَقِّنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَلَكَيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -؛ إذْ ذَاكَ يَسْأَلَانِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِ الْمُنْصَرِفِينَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَرَوَى رَزِينٌ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ مَا يَفْرُغُ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا عَبْدُك نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ فَاغْفِرْ لَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ انْتَهَى.
وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو حَامِدِ بْنُ الْبَقَّالِ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ إذَا حَضَرَ جِنَازَةً عَزَّى وَلِيَّهَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَانْصَرَفَ مَعَ مَنْ يَنْصَرِفُ فَيَتَوَارَى هُنَيْهَةً حَتَّى يَنْصَرِفَ النَّاسُ ثُمَّ يَأْتِيَ إلَى الْقَبْرِ فَيُذَكِّرَ الْمَيِّتَ بِمَا يُجَاوِبُ بِهِ الْمَلَكَيْنِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَيَكُونُ التَّلْقِينُ بِصَوْتٍ فَوْقَ السِّرِّ دُونَ الْجَهْرِ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ لَا تَنْسَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَكَ الْمَلَكَانِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَسَأَلَاك فَقُلْ لَهُمَا اللَّهُ رَبِّي وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّ وَالْقُرْآنُ إمَامِي وَالْكَعْبَةُ قِبْلَتِي وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ نَقَصَ فَخَفِيفٌ وَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ التَّلْقِينِ بِرَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَالزَّعَقَاتِ بِحُضُورِ النَّاسِ قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ فَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلُوهُ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ.
وَاسْتَحَبَّ التَّلْقِينَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَيْضًا الْقُرْطُبِيُّ وَالثَّعَالِبِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْأَبِيِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَيْلٌ إلَيْهِ
ص (وَتَغْمِيضُهُ)
ش: لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ» وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا إذَا قَضَى هُوَ قَيْدٌ فِي التَّغْمِيضِ وَالشَّدِّ قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ وَكَانَ رَجُلًا عَابِدًا: غَمَّضْت جَعْفَرَ الْمُعَلِّمَ وَكَانَ رَجُلًا عَابِدًا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ فَرَأَيْتُهُ فِي مَنَامِي لَيْلَةً يَقُولُ: أَعْظَمُ مَا كَانَ عَلَيَّ تَغْمِيضُك لِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ، أَوْ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ فَإِذَا قَضَى فَأَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِتَغْمِيضِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَنْبَغِي أَنْ يُلَقَّنَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُغَمَّضَ بَصَرُهُ إذَا قَضَى وَيُقَالَ عِنْدَهُ: سَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، وَيُقَالُ عِنْدَ