ذَلِكَ مِنْ الْعَمَلِ الْمَعْمُولِ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا لَا يَغْدُونَ إلَى الْجُمُعَةِ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ بِالْخَمْسِ سَاعَاتٍ فِي قَوْلِهِ: «ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ سَاعَاتِ النَّهَارِ الْمَعْلُومَةَ مِنْ أَوَّلِهَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ سَاعَةَ الرَّوَاحِ وَهِيَ الَّتِي تَتَّصِلُ بِالزَّوَالِ وَقْتَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فَهِيَ الَّتِي تَنْقَسِمُ عَلَى الْخَمْسِ فَيَكُونُ الرَّائِحُ فِي الْأُولَى مِنْهَا كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَفِي الثَّانِيَةِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً وَفِي الثَّالِثَةِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا أَقْرَنَ وَفِي الرَّابِعَةِ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً وَفِي الْخَامِسَةِ كَالْمُتَّصِلَةِ بِالزَّوَالِ وَخُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ السَّاعَةُ مُنْقَسِمَةً عَلَى الْخَمْسِ سَاعَاتِ مَحْدُودَةً بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَيُعْلَمُ حَدُّهَا حَقِيقَةً وَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ فِي قَدْرِهَا إلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ الْعَمَلُ وَأَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ فَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يُهَجِّرُ بِقَدَرٍ أَيْ يَتَحَرَّى قَدْرَ تَهْجِيرِ السَّلَفِ فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَيَغْدُو مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ شَذَّ عَنْهُمْ فَصَارَ كَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَفْهَمُوهُ أَوْ رَغِبَ مِنْ الْفَضِيلَةِ مَا لَمْ يَرْغَبُوهُ انْتَهَى.

وَقَدْ أَغْفَلَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبِسَاطِيُّ هَذِهِ النُّقُولَ وَاقْتَصَرَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ.

وَنَصُّ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَفِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَا ابْنِ حَبِيبٍ وَمَالِكٍ انْتَهَى.

وَفِي إطْلَاقِهِ التَّبْكِيرَ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مُسَامَحَةٌ وَنَصُّ الْبِسَاطِيِّ وَأَمَّا مَنْدُوبِيَّةُ التَّهْجِيرِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَةِ الْأُولَى.

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: إنَّ السَّاعَةَ الْأُولَى فِي الْحَدِيثِ طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ كَذَلِكَ وَقَالَ مَالِكٌ: السَّاعَةُ الَّتِي بَعْدَ الزَّوَالِ تَنْقَسِمُ سَاعَاتٍ انْتَهَى.

وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْإِمَامِ بِأَثَرِ الزَّوَالِ فِي أَوَّلِ السَّابِعَةِ وَصَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَنَصُّهُ فِي شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ: اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ التَّبْكِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَبْلَ الزَّوَالِ انْتَهَى.

ص (وَسَلَامُ خَطِيبٍ لِخُرُوجِهِ لَا صُعُودِهِ)

ش: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ أَنَّ الْخَطِيبَ وَالْمُؤَذِّنَ الَّذِي يُنَاوِلُهُ الْعَصَا يُسَلِّمَانِ إذَا دَخَلَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ مَعَ الْخَطِيبِ مُؤَذِّنٌ يُنَاوِلُهُ الْعَصَا وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ سَلَامُ الْإِمَامِ عَلَى النَّاسِ إذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ انْتَهَى.

ص (وَجُلُوسِهِ أَوَّلًا وَبَيْنَهُمَا) ش أَمَّا الْجُلُوسُ الثَّانِي فَلَمْ أَرَ مَنْ حَكَى فِيهِ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ الْمَشْهُورَ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَنُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالِاسْتِحْبَابِ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ شَهَّرَهُ وَحَكَى فِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَاصِلُ أَنْ كُلًّا مِنْ الْجَلْسَتَيْنِ سُنَّةٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي تَبْصِرَتِهِ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَلَسَ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ.

وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ لِلْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ؟ .

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَجْلِسُ وَإِنَّمَا يَجْلِسُ فِي الْجُمُعَةِ انْتِظَارًا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَفْرُغَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَكَانَ يَرَى إذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ خَطَبَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ فِيهِمَا مُؤَذِّنًا.

قَالَ الشَّيْخُ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ ذَلِكَ أَهْدَى لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَهُ وَفِيهِ زِيَادَةُ وَقَارٍ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِ خُطْبَتِهِ وَفِي وَسَطِهَا انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مِقْدَارُ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ بَيْنَ مُشْتَبِهَتَيْنِ كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْكَافِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015