وَكِلَاهُمَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِمَا الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا رِوَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) دَلَّ كَلَامُ التَّوْضِيحِ السَّابِقُ وَكَلَامُ ابْنِ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا الشَّكُّ فِي حُصُولِ الْقَدْرِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ تَأْثِيرُهُ مِنْ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا احْتِمَالُ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ هُنَا وَهُنَاكَ فَرْضَ وُقُوعِهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ: هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ خِلَافٌ فِي حَالٍ فَإِنْ كَانَ خِلَافًا حَقِيقِيًّا وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمُخَالِطِ لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَعْتَبِرُ بَقَاءَ صِدْقِ اسْمِ الْمَاءِ وَأَشْهَبُ يَنْظُرُ إلَى أَنَّهُ خُولِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءٌ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ لَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمُوَافِقَ وَقَعَ مِنْهُ فِي الْمَاءِ قَدْرُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا أَوْ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ لَأَثَّرَ فِي الْمَاءِ فَافْتَرَقَتْ الْمَسْأَلَتَانِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) : فَرْضُهُ أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشُّيُوخِ السَّابِقِ وَدَلَّ آخِرُ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِمْ هُنَا عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَنَقْلُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا خُولِطَ بِطَاهِرٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ طَهُورٌ؟ .
(قُلْتُ) : كَأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْمُخَالِطِ أَنْ يَطْهُرَ تَغَيُّرُهُ كَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ فَلَمَّا لَمْ يُغَيِّرْ دَلَّ عَلَى قِلَّتِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِصِفَةِ الْمَاءِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى قِلَّتِهِ انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ هُوَ أَحَدُ الطُّرُقِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ)
ش: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَتَطَهَّرُ بِهِ وَالْمَاءِ الَّذِي لَا يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ ذَكَرَ قِسْمًا ثَالِثًا وَهِيَ الْمِيَاهُ الَّتِي يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا مَعَ الْحُكْمِ بِطَهُورِيَّتِهَا فَبَدَأَ مِنْهَا ب الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ طَهُورٌ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ يُرِيدُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَطَهَّرَ بِهِ وَلَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ فَإِنْ تَرَكَهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَهَلْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا صَرِيحًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ الْمَكْرُوهَةِ الْآتِيَةِ، وَالْكَرَاهَةُ لَا تَقْتَضِي الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ وَإِنَّمَا الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ كَمَا أَخَذَ ابْنُ عَرَفَةَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ السُّلَيْمَانِيَّة فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ يَتَغَيَّرُ بِوَرَقِ الشَّجَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْحَدَثِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ فَيَتْرُكُهُ وَيَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا وَالثَّانِي أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَعَزَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ لِلْأَبْهَرِيِّ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ مَرَّةً وَلَا خَيْرَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ بِهِ أَحَبُّ إلَيَّ إنْ كَانَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوَّلًا طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِيهِ فَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الْمَنْعِ فَيَكُونُ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى مَعْنَى لَا خَيْرَ فِيهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ وِفَاقًا لِابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ عِيَاضٌ وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُخْتَصِرِينَ انْتَهَى. وَكَذَا قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَجَعَلُوا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا وَرَدَّ بِأَنَّ مَالِكًا مَنَعَ الْمُتَوَضِّئَ مِنْ مَسْحِ رَأْسِهِ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ وَأُجِيبُ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَنْعِ لِقِلَّتِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْإِمَامِ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وِفَاقٌ وَلِذَلِكَ يَتَعَيَّنُ إسْقَاطُ لَفْظِهِ أَحَبُّ إلَيَّ كَمَا اخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَحَمَلَهَا عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا قَالَ