جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْمُخَالِطَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَوْصَافِهِ لِغَيْرِ الْمَاءِ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَفْصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ الْمُخَالِطِ هَلْ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَوْصَافِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ إنَّهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ اسْتَعْمَلَهُ وَتَيَمَّمَ وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ وَقَدْ يُقَالُ: الْأَصْلُ فِي الْمَاءِ الطَّهُورِيَّةُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ مَا يَسْلُبُهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَعْنِي مَسْأَلَةَ الرِّيقِ وَأَمَّا حَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ شَيْءٌ فِي أَمْرِ الْمُخَالِطِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَالْمُخَالِطُ يَسِيرًا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى صِفَاتِهِ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَيَنْظُرُ إلَى كَثْرَةِ الْمَاءِ وَقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَكْثَرَ مِنْ آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَهُوَ طَهُورٌ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ يَسِيرٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا وَالْمُخَالِطُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ. كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَوْصَافِهِ لَغَيَّرَ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ طَاهِرًا كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا وَفِي كَلَامِ سَنَدٍ فِي مَسْأَلَةِ مَاءِ الزَّرْجُونِ إشَارَةٌ إلَى هَذِهِ وَكَذَا فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي تَقْدِيرِهِ مُوَافِقَ صِفَةَ الْمَاءِ مُخَالِفًا نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُوَافِقَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فِي قَلِيلِ أَوْ كَثِيرِ الرِّوَايَاتِ وَالْأَقْوَالُ وَاضِحَةٌ بِبَيَانِ حُكْمِ صُوَرِهِ وَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ قَصْرِ الْحُكْمِ عَلَى التَّغْيِيرِ الْمَحْسُوسِ وَلِذَا قِيلَ مَا قِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَابِسِيِّ وَتَقْدِيرُ الْمُوَافِقُ مُخَالِفًا قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ كَالْمُتَحَرِّكِ سَاكِنًا انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى قَدْرِ الْمُخَالِطِ وَالْمُخَالِفِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَدْرِ مَا يَضُرُّ وَمَا لَا يَضُرُّ وَإِلَى هَذَا مَالَ ابْنُ الْإِمَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي مَسَالِكِهِ أَنَّ الطَّهُورَ إذَا خَالَطَهُ مَائِعٌ لَا يُخَالِفُ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ وَرِيحَهُ كَالْعَرَقِ وَمَاءِ الشَّجَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَهُورٌ بَعِيدٌ لِإِطْلَاقِهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ كَوْنِ الْمُخَالِطِ أَكْثَرَ غَيْرَ مُرَادَةٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَإِذَا كَانَ الْمُخَالِطُ أَكْثَرَ تَبِعَهُ الْمَاءُ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ مَانِعَةٌ مِنْ التَّبَعِيَّةِ وَلِاسْتِلْزَامِهِ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ فِيمَا قَالَ سَنَدٌ إنَّهُ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ)
ش: قَوْلُهُ بِمَاءِ الظَّاهِرِ فِيهِ أَنَّهُ بِالْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِغَيْرِ هَمْزٍ فَيَكُونُ مَا اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنَى الَّذِي وَفِيهِ بُعْدٌ وَتَكَلُّفٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ أَيْ وَفِي التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ الَّذِي جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْقَوْلَانِ رَاجِعَانِ إلَى خِلَافٍ فِي حَالِ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَكَّ الْمَاءُ عَمَّا يُضِيفُهُ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَازُ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَنْعُ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ التَّغَيُّرُ لِأَثَرٍ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الرِّيقِ قَدْرٌ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الرِّيقِ لَغَيَّرَ الْمَاءَ وَلِأَنَّ الرِّيقَ لَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ جِدًّا حَتَّى يَظْهَرَ لُعَابُهُ فِي الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مَا ذَكَرْنَا وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ إنَّهُ لَوْ طَالَ مُكْثُ الْمَاءِ فِي فَمِهِ أَوْ حَصَلَ مِنْهُ مَضْمَضَةٌ لَانْتَفَى الْخِلَافُ لِغَلَبَةِ الرِّيقِ وَقَيَّدَ غَيْرُهُ أَيْضًا الْخِلَافَ بِأَنْ لَا يَكُونُ فِي الْفَمِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ مَعَ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ وَنَقَلَ الشَّارِحُ فِي الصَّغِيرِ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ الطَّهُورِيَّةُ لِأَنَّهَا أَصْلٌ انْتَهَى.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي تَطْهِيرِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَلَمْعَةٍ ذَكَرهَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ إلَّا بِفِيهِ لِقَطْعِ يَدَيْهِ أَوْ نَجَاسَتِهِمَا وَتَقْيِيدُ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ الْخِلَافَ بِتَطْهِيرِ الْخَبَثِ إنْ كَانَ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الرِّوَايَاتِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي آخِرِ سَمَاعِهِ وَرِوَايَةُ مُوسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِهِ