سَنَدٌ: الْأَوْلَى عَكْسُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْمَعْدِنِيَّ يَضُرُّ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَالْمَصْنُوعَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ أَصْلَهُ تُرَابٌ (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَصْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ لَوْ كَانَ التُّرَابُ مَصْنُوعًا كَالْجِبْسِ وَالنُّورَةِ فَالظَّاهِرُ التَّأْثِيرُ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالصَّنْعَةِ لَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَاءِ يَتَغَيَّرُ فِي الْإِنَاءِ مِثْلِ الْفَخَّارِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الصَّنْعَةِ انْتَهَى.
(قُلْتُ) : هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ الْبُرْزُلِيُّ بِأَنَّ صُفْرَةَ الْمَاءِ مِنْ الْجِيرِ لَا تَضُرُّ قَالَ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ طَعْمُهُ بِالْفَخَّارِ الْجَدِيدِ وَالتُّرَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ (الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: سَأَلْتُ بَعْضَ شُيُوخِنَا عَنْ الْمِلْحِ إذَا طُبِخَ فِي الْمَاءِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى سُقُوطِ الطَّعَامِ فِيهِ؟ فَذَهَبَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَاءِ الْمُضَافِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ: لَا يَجْرِي الطَّعَامُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) : الْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ فِي الطُّحْلُبِ إذَا طُبِخَ فِي الْمَاءِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْمَطْبُوخِ أَقْوَى
ص (وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ ابْنَ يُونُسَ رَجَّحَ الْقَوْلَ بِسَلْبِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بِالْمِلْحِ الْمَطْرُوحِ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمِلْحِ: وَالصَّوَابُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَ الْأَرْضَ صَارَ طَعَامًا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ فَهُوَ بِخِلَافِ التُّرَابِ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ وَلَا تَخْلُو بُقْعَةٌ فِيهَا الْمَاءُ مِنْهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ تَرَدُّدٌ) هَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ جَرَى فِيهِ ذِكْرُ التَّرَدُّدِ وَهُوَ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطُّرُقِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ الْمِلْحُ كَالتُّرَابِ فَلَا يَنْقُلُ حُكْمَ الْمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ كَالطَّعَامِ فَيَنْقُلُهُ إلَى غَيْرِهِ أَوْ الْمَعْدِنِيُّ كَالتُّرَابِ وَالْمَصْنُوعُ كَالطَّعَامِ وَاخْتَلَفَ مَنْ بَعْدَهُمْ هَلْ تَرْجِعُ هَذِهِ الْأَقْوَالُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ مَنْ جَعَلَهُ كَالتُّرَابِ يُرِيدُ الْمَعْدِنِيَّ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالطَّعَامِ يُرِيدُ الْمَصْنُوعَ أَوْ يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرَدُّدِ إلَى الِاخْتِلَافِ الثَّانِي وَالْمَعْنَى اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْمِلْحِ هَلْ يَتَّفِقُ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ كَانَ مَصْنُوعًا أَوْ لَا يَتَّفِقُ عَلَى ذَلِكَ طَرِيقَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ.
(فَإِنْ قُلْتَ) : الطَّرِيقُ الَّتِي تَقُولُ يَتَّفِقُ عَلَى السَّلْبِ بِالْمَعْدِنِيِّ لِأَنَّهَا تَدْعُو أَنَّ الْخِلَافَ يَرْجِعُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ بِالتَّفْصِيلِ فَلِمَ لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ مَثَلًا وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ وَعَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِهِ إنْ لَمْ يُصْنَعْ تَرَدُّدٌ وَلِمَ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ لِأَنَّا نَقُولُ الَّذِي أَفَادَهُ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّ غَيْرَ الْمَصْنُوعِ لَمْ يَحْصُلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ بِهِ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِهِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ (وَالْجَوَابُ) : أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِالْمَعْدِنِيِّ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ كَالتُّرَابِ وَالْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي التُّرَابِ نَفْسِهِ فَلَوْ قَالَ وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ وَعَلَى عَدَمِ السَّلْبِ إنْ لَمْ يُصْنَعْ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِالْمَعْدِنِيِّ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ الِاتِّفَاقُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ فَصَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ كَدُهْنٍ خَالَطَهُ أَوْ بُخَارٍ مُصْطَكَى وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ)
ش: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْمُطْلَقِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخُبْثِ يَرْتَفِعُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَرْتَفِعُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ سَوَاءٌ كَانَ تَغَيُّرُهُ فِي اللَّوْنِ أَوْ فِي الطَّعْمِ أَوْ فِي الرِّيحِ إذَا كَانَ الْمُغَيِّرُ لِلْمَاءِ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا وَذَلِكَ كَالدُّهْنِ الَّذِي يُخَالِطُ الْمَاءَ أَيْ يُمَازِجُهُ وَكَاللَّبَنِ