بِهَا مِنْ سَبْخَةٍ أَوْ حَمْأَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَالسَّبْخَةُ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَالِحَةُ فَإِنْ وُصِفَتْ بِهَا الْأَرْضُ كُسِرَتْ الْمُوَحَّدَةُ وَالْحَمْأَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا أَلْفٌ مَهْمُوزَةٌ وَهِيَ طِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْكِبْرِيتُ وَالزِّرْنِيخُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَالشَّبُّ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالْمُغْرَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَيُقَالُ لَهَا الْمَشْقُ وَبِفَتْحِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ تُرَابٌ أَحْمَرُ وَالْكُحْلُ وَالزَّاجُّ وَالنُّورَةُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ بِذَلِكَ الْمَاءُ وَهُوَ فِي قَرَارِهِ أَوْ صُنِعَ مِنْهُ إنَاءٌ فَتَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْهُ وَلَمْ يَكْرَهْ أَحَدٌ الْوُضُوءَ مِنْ إنَاءِ الْحَدِيدِ عَلَى سُرْعَةِ تَغَيُّرِ الْمَاءِ فِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءِ صُفْرٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُغَيِّرُ طَعْمَ الْمَاءِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسَخَّنُ لَهُ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ مِنْ صُفْرٍ انْتَهَى. وَفِي الطِّرَازِ مَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ مِنْ نَفْسِ الْآنِيَةِ فَلَا يَضُرُّ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ وَلَمْ تَزَلْ الْأُمَّةُ تَسْتَعْمِلُ الْمُسَخَّنَ عَلَى النَّارِ وَمَاءَ الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ مِنْ طَعْمِ الْقُدُورِ مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ هَارُونَ وَالْبَرْزَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَالْبِسَاطِيُّ فِي مُغْنِيهِ وَالزُّهْرِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَالَ: وَلَوْ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ مِنْ إنَاءِ النُّحَاسِ لِأَنَّهُ مَعْدِنٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَإِنْ كَانَ يُضِيفُ الْمَاءَ انْتَهَى.
(فَإِنْ قُلْتَ) : نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْإِنَاءِ الْجَدِيدِ وَالْحَبْلِ الْجَدِيدِ إذَا كَانَ التَّغَيُّرُ يَسِيرًا جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ تَغَيُّرًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ فِي الْإِنَاءِ تَغَيُّرًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ فَخَّارٍ وَنَحْوِهِ.
(قُلْتُ) : لَيْسَ لَفْظُ الْإِنَاءِ فِي أَسْئِلَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَاَلَّذِي فِي أَسْئِلَتِهِ فِي الْمَاءِ يَسْتَقِي بِالْكُوبِ الْجَدِيدِ وَالْحَبْلِ الْجَدِيدِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَالْكُوبُ عِنْدَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ إنَاءٌ يُجْعَلُ مِنْ الْخَشَبِ وَفِي لَفْظِ السُّؤَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فَرَجَعَ طَعْمُ الْمَاءِ طَيِّبًا مِنْ الْأُرْزِ أَوْ نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ هَارُونَ وَجَعَلَ بَدَلَ الْكُوبِ الْجَدِيدِ الدَّلْوَ الْجَدِيدَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَنَصُّهُ: وَيَلْحَقُ بِالْمُتَغَيِّرِ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْبِئْرُ الْمُتَغَيِّرَةُ مِنْ الْخَشَبِ وَالْعُشْبِ الَّذِي تُطْوَى بِهِ الْآبَارُ فِي الصَّحَارِي لِلضَّرُورَةِ لِذَلِكَ الْمَاءِ وَالْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِالدَّلْوِ الْجَدِيدِ فَهَذَا كُلُّهُ يَلْحَقُ بِالْمُطْلَقِ إلَّا أَنْ تَطُولَ إقَامَةُ الْمَاءِ فِي الدَّلْوِ الْجَدِيدِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ مِنْهُ تَغَيُّرًا فَاحِشًا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ فِي أَسْئِلَتِهِ انْتَهَى.
ص (أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِشَيْءٍ طُرِحَ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَطْرُوحُ مِنْ جِنْسِ مَا هُوَ مِنْ قَرَارِ الْمَاءِ كَالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ قَصْدًا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا كَانَ الطَّرْحُ قَصْدًا حَكَاهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَاءَ مُنْفَكٌّ عَنْ هَذَا الطَّارِئِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَصْدًا عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا طُرِحَ قَصْدًا وَأَمَّا مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِ فَقَالَ مِنْ كَتُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ لَكَانَ أَشْمَلَ كَمَا قَالَ فِي الشَّامِلِ وَأَنَّ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا مِنْ كَتُرَابٍ أَوْ مُغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَاءِ وَهُوَ التُّرَابُ وَأَبْعَدِهَا عَنْهُ وَهُوَ الْمِلْحُ فَعُلِمَ بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهِمَا أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا كَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْمُغْرَةِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْجَمِيعِ عَدَمُ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ مَجْهُولِ الْجَلَّابِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِلْحِ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ الْقَصَّارِ وَمُقَابِلُهُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعْدِنِيِّ فَلَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ وَالْمَصْنُوعِ فَيَسْلُبُ وَنَسَبُهُ سَنَدٌ لِلْبَاجِيِّ.
قَالَ الشَّارِحُ: وَلَمْ يَجْزِمْ الْبَاجِيُّ بِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ قَالَ