وَقُنُوتٌ سِرًّا بِصُبْحٍ فَقَطْ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ)
ش يَعْنِي أَنَّ الْقُنُوتَ مُسْتَحَبٌّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: سُنَّةٌ. قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَمَسْجِدُهُ بِقُرْطُبَةَ لَا يَقْنُتُ فِيهِ إلَى حِينِ أَخْذِهَا أَعَادَهَا اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ وَلِابْنِ زِيَادٍ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ تَرَكَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ يَكُونُ عَلَى الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ عَمْدًا، وَقَالَ أَشْهَبُ: مَنْ سَجَدَ لَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ: الْقُنُوتُ عِنْدَنَا فَضِيلَةٌ بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ اللَّخْمِيّ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَقَوْلُهُ: سِرًّا، يَعْنِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْقُنُوتِ الْإِسْرَارُ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ: إنَّهُ يُجْهَرُ بِهِ، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ التُّونُسِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ جَهَرَ بِالْقُنُوتِ أَوْ التَّشَهُّدِ فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ فَقَالَ: الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ وَالتَّشَهُّدِ لَا يَجُوزُ وَيُعِيدُ مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَيَسْجُدُ السَّاهِي إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا إذَا جَهَرَ فَعَنْ ابْنِ نَافِعٍ: لَا يُعِيدُ فَالْقُنُوتُ عَلَيْهِ أَخَفُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ:.
(قُلْت) أَمَّا الْجَهْرُ بِالتَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ فَالْمَعْلُومُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْرَ بِالذِّكْرِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بَلْ تَرَكَ مُسْتَحَبًّا خَاصَّةً عَلَى مَا حَكَى ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ أَوْ قَوْلِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَرْتَضِهِ وَحَكَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ قَالَ: وَلَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي صَلَاةِ الْمُسْمِعِ خَاصَّةً وَقِيَاسُهُ عَلَى جَهْرِ الْفَرِيضَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَتْ فِيهِ سُنَّةٌ انْتَهَى.
(قُلْت) حَكَى فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ بُطْلَانَ صَلَاةِ مَنْ جَهَرَ فِي السِّرِّيَّةِ أَوْ أَسَرَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ قَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَدَّ فِي اللُّبَابِ مِنْ الْفَضَائِلِ إسْرَارَ التَّشَهُّدَيْنِ وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَإِخْفَاءُ التَّشَهُّدِ سُنَّةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَإِعْلَانُهُ بِدْعَةٌ وَجَهْلٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: فَإِنْ صَلَّى مَالِكِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ جَهَرَ بِدُعَاءِ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ وَلَا يَقْنُتُهُ مَعَهُ وَالْقُنُوتُ مَعَهُ مِنْ فِعْلِ الْجُهَّالِ اُنْظُرْ مُخْتَصَرَ الْوَاضِحَةِ فِي الْقُنُوتِ فِي رَمَضَانَ فَلَوْ قَنَتَ الْمَالِكِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك كَانَ حَسَنًا وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَوَجْهُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي يُؤَمِّنُ عَلَيْهِ قَدْ انْقَضَى وَلَا مَانِعَ حِينَئِذٍ مِنْ الْقُنُوتِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ بِصُبْحٍ فَقَطْ يَعْنِي أَنَّ الْقُنُوتَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ تَنْبِيهٌ عَلَى خِلَافِ بَعْضِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي إجَازَتِهِ فِي الْوَتْرِ وَخِلَافِ مَنْ أَجَازَهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: لَوْ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِهِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ السَّهْوِ فِيمَنْ جَهَرَ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ عَمْدًا وَقَوْلُهُ: وَقَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَرَوَى الْبَاجِيُّ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ وَعَكَسَ ابْنُ حَبِيبٍ وَفِيهَا هُمَا سَوَاءٌ وَفَعْلُ مَالِكٍ قَبْلُ وَفِيهَا بَعْدُ لَا يُكَبِّرُ لَهُ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَبَّرَ حِينَ قَنَتَ الْجَلَّابُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ.
وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَدْرَكَ الْقُنُوتَ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ قَنَتَ إذَا قَضَى وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَهُ وَقَنَتَ لَمْ يَقْنُتْ فِي قَضَائِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ لَمْ يَقْنُتْ فِي قَضَائِهِ أَدْرَكَ قُنُوتَ الْإِمَامِ أَمْ لَا وَهَذَا عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَ آخِرُ صَلَاتِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ أَوَّلُهَا وَقَوْلُ أَشْهَبَ: إنَّهُ بَانَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِعْلِ يَقْنُتُ قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا.
(قُلْت) مَفْهُومُ قَوْلِ مَالِكٍ: وَقَنَتَ مَعَهُ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ دُونَ الْقُنُوتِ قَنَتَ، خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ.
(فَرْعٌ) قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: إذَا نَسِيَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَا يَرْجِعُ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا تَذَكَّرَهُ هُنَالِكَ فَإِذَا رَجَعَ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ مِنْ الْفَرْضِ إلَى الْمُسْتَحَبِّ انْتَهَى. أَمَّا عَدَمُ الرُّجُوعِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ مَسَائِلِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْهَا مَنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ حَتَّى اسْتَقَلَّ قَائِمًا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَمِنْهَا مَنْ نَسِيَ السُّورَةَ أَوْ الْجَهْرَ أَوْ الْإِسْرَارَ أَوْ تَكْبِيرَ الْعِيدَيْنِ حَتَّى رَكَعَ وَأَمَّا الْبُطْلَانُ فَلَا يَأْتِي عَلَى مَا شَهَرَهُ