(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) إذَا بَنَيْنَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّهْنِ الْمُلَاصِقِ فَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ قَدَّاحٍ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ حَتَّى يَلْقُطَ الدُّهْنَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ قَالَ هَذَا وَيَصِحُّ فِي الْكَثِيرِ وَأَمَّا الْقَلِيلُ كَنُقْطَةٍ فِي آنِيَةِ الْوُضُوءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى لَقْطِهِ انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ لَمْ أَرَ مَنْ قَيَّدَ تَغَيُّرَ الْمُجَاوَرَةِ بِالرَّائِحَةِ فَقَطْ وَلَا يُمْكِنُ بِاللَّوْنِ لِامْتِنَاعِ الِانْتِقَالِ عَلَيْهِ وَفِي إمْكَانِهِ بِالطَّعْمِ نَظَرٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي الْمُغْنِي: وَأَكْثَرُ مَا تُغَيِّرُ الْمُجَاوِرَةُ الرِّيحَ وَقَدْ تُؤَثِّرُ فِي اللَّوْنِ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إمْكَانِ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ وَكَذَا الطَّعْمُ وَإِنْ قَدْ يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ غَلَطِ الْحِسِّ فَإِنْ تَحَقَّقَ تَغَيُّرُ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ لِطُولِ إقَامَةِ الدُّهْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الدُّهْنَ قَدْ مَازَجَ الْمَاءَ وَخَالَطَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالدُّهْنِ مَا يَصْعَدُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ بِطُولِ الْمُكْثِ مِمَّا يُشْبِهُ الدُّهْنَ وَقَالَ آخَرُ: أَرَادَ بِالدُّهْنِ الْمَاءَ الْقَلِيلَ وَالْمَطَرَ الْقَلِيلَ. وَالدُّهْنُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لُغَةً وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِمَا مِنْ الضَّعْفِ انْتَهَى.
وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى مَا يَصْعَدُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ مِنْ الدُّهْنِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْأَوَانِي الَّتِي يُؤْكَلُ فِيهَا وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ نَوْعُ الْمَاءِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ أَوَانِيَهُمْ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسْبِ كَثْرَةِ الدُّهْنِ وَقِلَّتِهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَا يُوجَدُ لَهُ طَعْمٌ فِي الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ الَّتِي فِي وِعَاءِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِالرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ جِرْمِ الْقَطِرَانِ فِي الْوِعَاءِ شَيْءٌ أَوْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِرَائِحَةِ قَطِرَانٍ بَاقٍ فِي الْوِعَاءِ فَأَمَّا إنْ كَانَ التَّغَيُّرُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْوِعَاءِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ جِرْمِ الْقَطِرَانِ فِي الْوِعَاءِ شَيْءٌ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ فَلَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ مَعَ وُجُودِ جِرْمِهِ فِي الْوِعَاءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْآتِي أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَكَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ مِنْ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ الْمُلَاصِقِ وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدُّهْنِ الْمُلَاصِقِ فَإِنْ حَمَلْنَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ بِدُهْنٍ لَاصِقٍ وَيَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُسَافِرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الْمُسَافِرُ غَالِبًا فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَضُرَّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ الْمَوْجُودِ فِي الْوِعَاءِ فَأَحْرَى إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ التَّغَيُّرُ فِي لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّ رَائِحَةَ الْقَطِرَانِ إذَا بَقِيَتْ فِي الْوِعَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي وَأَمَّا إذَا أُلْقِيَ فِي الْمَاءِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ رَاعَيْنَا مُطْلَقَ الِاسْمِ قُلْنَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَهُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَتَثْبُتَ لَهُ صِفَةُ الْإِضَافَةِ.
وَإِنْ رَاعَيْنَا مُجَرَّدَ التَّغَيُّرِ مَنَعْنَاهُ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَرْجَحُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَرَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بِتَغَيُّرِ الرِّيحِ مِنْ النَّجَاسَةِ بَأْسًا وَهَذَا الْفَرْعُ عَلَى أَصْلِهِ ظَاهِرٌ انْتَهَى. فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ الْقَطِرَانُ لَوْنَ الْمَاءِ أَوْ طَعْمَهُ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ وَأَمَّا إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَةُ الْمَاءِ فَقَطْ فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْوِعَاءِ فَقَطْ أَوْ مِنْ قَطِرَانٍ بَاقٍ فِي الْوِعَاءِ فَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مِنْ الرَّائِحَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْوِعَاءِ فَقَطْ فَيُجْزَمُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَقَوْلُهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي لَا يُرِيدُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الضَّرُورَةَ إلَيْهِ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ أَشَدُّ وَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ مِنْ قَطِرَانٍ أُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَرَدَّدَ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُمَازَجَتُهُ لِلْمَاءِ بِأَنْ يَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ