ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ رَاجِعًا فَهُوَ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ كَلَامَهُ سَهْوًا فِي إضْعَافِ الصَّلَاةِ وَإِذَا تَكَلَّمَ فِي انْصِرَافِهِ فَإِنَّمَا هُوَ مُشْتَغِلٌ بِغَسْلِ الدَّمِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَائِمٌ سَوَاءٌ تَكَلَّمَ فِي سَيْرِهِ أَوْ فِي رُجُوعِهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَحَكَى ابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ رَابِعًا عَكْسَ الثَّالِثِ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ فِي مَسِيرِهِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي عَوْدَتِهِ بَطَلَتْ وَلَمْ يَعْزُوَاهُ انْتَهَى.
قُلْتُ عَزَوْهُ لِابْنِ بَشِيرٍ سَهْوًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ وَلَهُ عَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاعْتَرَضَهُ فَقَالَ: وَنَقَلَ ابْنُ شَاسٍ الثَّالِثَ مَعْكُوسًا خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَوْلُ خَلِيلٍ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَهُمْ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ شَاسٍ عَلَى أَنَّهُ رَابِعٌ بَلْ قَالَ: فَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فَفِي الْبُطْلَانِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَلِذَلِكَ قَوَّى الظَّنَّ بِأَنَّهُ وَهْمٌ فِي النَّقْلِ وَكَذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ الْجَمْعِ بِأَنَّهُ وَهْمٌ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ بَشِيرٍ فَوَهَمَ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) نَسَبَ صَاحِبُ الطِّرَازِ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ بِالْكَلَامِ سَهْوًا مُطْلَقًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَسَبَ الْقَوْلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الذَّهَابِ أَوْ فِي الرُّجُوعِ لِابْنِ حَبِيبٍ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ فَلَعَلَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَوْلَيْنِ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ سَهْوًا وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ سَهْوًا لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِخْلَافِ: وَإِنْ قَالَ: يَا فُلَانُ تَقَدَّمْ فَإِنْ كَانَ رَاعِفًا فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَبْنِي انْتَهَى. فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنْ قُوَّةَ الْكَلَامِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَمْدًا وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي بَابِ الرُّعَافِ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَإِنْ رَعَفَ الْإِمَامُ فَلَمَّا خَرَجَ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: تَكَلَّمَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ لِلْحَدِيثِ أَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: لَا يَظْهَرُ لِقَوْلِهِ وَلَوْ سَهْوًا مَعْنًى لِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ عَدَمِيَّةٌ مَجْمُوعُهَا مَلْزُومُ الصِّحَّةِ وَضِدُّ أَحَدِهَا مَلْزُومٌ لِضِدِّ الصِّحَّةِ وَالْمُبَالَغَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي هَذَا فَتَأَمَّلْهُ قُلْتُ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لِذَلِكَ فَائِدَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ فِي الْبِنَاءِ عَدَمَ الْكَلَامِ بَالَغَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ سَهْوًا فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُهُ فَتَأَمَّلْهُ.
(الثَّانِي) لَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُبْطِلُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ وَيُمْنَعُ الْبِنَاءُ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ فَتَأَمَّلْهُ.
(الثَّالِثُ) اُخْتُلِفَ فِي الْمَأْمُومِ إذَا انْصَرَفَ لِغَسْلِ الدَّمِ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرُهُ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، (الثَّالِثُ) إنْ رَعَفَ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ مَعَهُ رَكْعَةً خَرَجَ مِنْ حُكْمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ رَكْعَةً لَمْ يَخْرُجْ مِنْ حُكْمِهِ، (الرَّابِعُ) النَّظَرُ إلَى مَا آلَ إلَيْهِ أَمْرُهُ فَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَانَ فِي حُكْمِهِ حَالَ خُرُوجِهِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً حِينَ خُرُوجِهِ لَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِهِ فِي حَالِ خُرُوجِهِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ حَتَّى يَرْجِعَ يَقُولُ: إنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعْ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَهْوًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ ذَلِكَ الْإِمَامُ خِلَافَ أَصْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الَّذِي يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ عَلَيْهِ الْبِنَاءَ وَإِنْ ظَنَّ الْإِمَامُ قَدْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَوْ مَضَى لَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ لَمْ يَلْزَمْهُ سَهْوُهُ وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِهِ يَقُولُ: إنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ مُتَعَمِّدًا فَسَدَتْ عَلَيْهِ هُوَ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ مَضَى لَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ لَزِمَهُ سَهْوُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا حَمَلَهُ عَنْهُ الْإِمَامُ خِلَافَ أَصْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ بِسَجْدَةٍ فَسَجَدَهَا فَرَجَعَ هُوَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأهَا وَيَسْجُدَهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْقَوْلِ انْتَهَى.
وَالثَّلَاثَةُ الْأَقْوَالِ الْأَوَّلُ تُؤْخَذُ مِنْ