الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ تَسْمِيَتَهَا الْعِشَاءَ وَأَرْجُو سَعَةَ تَكْلِيمِ مَنْ لَا يَفْهَمُهَا الْعِشَاءُ بِالْعَتَمَةِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ تَسْمِيَتُهَا بِهَا وَهُوَ نَقْلُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ كِتَابِ ابْنِ مُزَيِّنٍ مَنْ قَالَ فِيهَا عَتَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً انْتَهَى. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَخَذَهَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَكْرَهُ تَسْمِيَتَهَا الْعَتَمَةَ وَأَسْتَحِبُّ تَعْلِيمَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ تَسْمِيَتَهَا الْعِشَاءَ وَأَرْجُو سَعَةَ تَكْلِيمِ مِنْ لَا يَفْهَمُهَا الْعِشَاءَ بِالْعَتَمَةِ ابْنُ رُشْدٍ مَنْ قَالَ فِيهِمَا عَتَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْتُ فَتَكُونُ حَرَامًا وَقَوْلُ الشَّيْخِ وَتَسْمِيَتُهَا الْعِشَاءَ أَوْلَى خِلَافُهُمَا انْتَهَى. (قُلْتُ:) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمٍ كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ الْكَرَاهَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْعَتَمَةُ قَالَ مَالِكٌ الصَّوَابُ مَا قَالَ اللَّهُ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الرِّوَايَةِ لَكِنْ عَبَّرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ هَذَا بِالْكَرَاهَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهُ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا وَصْفُهَا بِالْآخِرَةِ فِي قَوْلِهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَجَائِزٌ وَقَعَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَوَرَدَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ: الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ الْمُحَالِ قَوْلُ الْعَامَّةِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا إلَّا عِشَاءٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوصَفُ بِالْآخِرَةِ فَهَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَصْفُهَا وَأَلْفَاظُهُمْ بِهَذَا مَشْهُورَةٌ انْتَهَى. وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ وَفِي بَابِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَقَالَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وَصْفِهَا بِالْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا مَغِيبُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ غُرُوبِ حُمْرَةِ الشَّفَقِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَأَخَذَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلًا لِمَالِكٍ أَنَّهُ الْبَيَاضُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ: أَكْثَرُ أَجْوِبَتِهِ فِي الشَّفَقِ أَنَّهُ الْحُمْرَةُ وَرَدَّ الْمَازِرِيُّ الْأَخْذَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ أَرَادَ مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَةُ وَالْبَيَاضُ أَبْيَنَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ شَعْبَانَ لَمَّا رَأَى هَذَا فِيهِ تَرَدُّدٌ وَمَا سِوَاهُ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَكْثَرَ أَقْوَالِهِ أَنَّهُ الْحُمْرَةُ دُونَ تَرَدُّدٍ فَلَا يُقْطَعُ بِصِحَّةِ مَا فَهِمَهُ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرٌ، قَالَ ابْنُ نَاجِي وَنَقَلَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّهْذِيبِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اعْتِبَارَ الْبَيَاضِ كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا أَعْرِفُهُ قَالَ عِيَاضٌ وَالْقَوْلُ بِالْبَيَاضِ عِنْدِي أَبْيَنُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْفِقْهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ لِلْمَشْهُورِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ: الشَّمْسُ وَالشَّفَقَانِ، وَالطَّوَالِعَ ثَلَاثَةٌ: الْفَجْرَانِ وَالشَّمْسُ، وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْوَسَطِ مِنْ الطَّوَالِعِ فَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَسَطِ مِنْ الْغَوَارِبِ. الثَّانِي رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ رَقَبْتُ الْبَيَاضَ فَوَجَدْتُهُ يَبْقَى إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَوْ رَتَّبَ الْحُكْمَ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ سَنَدٌ: وَجْهُ الْمَذْهَبِ مَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ» ، وَهَذَا الِاسْمُ مُخْتَصٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِالْحُمْرَةِ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ قَالَ الْفَرَّاءُ نَظَرَ أَعْرَابِيٌّ إلَى ثَوْبٍ أَحْمَرَ فَقَالَ: كَأَنَّهُ شَفَقٌ، وَمِنْهُ صَبَغْتُ ثَوْبِي شَفَقًا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: 16] : إنَّهُ الْحُمْرَةُ وَفِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015