لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهَا: النَّوْعُ الْخَامِسُ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَمِنْ ذَلِكَ الْحَشِيشُ وَالْخَشَبُ فَأَجَازَ ابْنُ الْقَصَّارِ التَّيَمُّمَ عَلَى الْحَشِيشِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَعَادَ أَبَدًا إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَهُوَ أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ لِعَدَمِ الْأَرْضِ، وَلِأَنَّهُ نَبَاتٌ مِنْ الْأَرْضِ كَالرَّمْلِ وَالْحَصَا وَاسْمُ الْأَرْضِ يَقَعُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى الزَّرْعِ خِلَافًا.
(قُلْتُ) وَالْأَرْجَحُ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ بِهِ لِعَدَمِ ضَرُورَتِهِ إلَيْهِ مَعَ بُعْدِهِ عَنْ مُسَمَّى الْأَرْضِ، أَوْ مُسَمَّى الصَّعِيدِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ تَشْبِيهًا لَهُ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِ الشَّائِبَتَيْنِ مُطْلَقًا وَتَعْطِيلِ الْأَمْرَيْنِ، انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْوَاعَ الْمُخْتَلَفَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهَا الْخَامِسُ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا كَالْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَالزَّرْعِ وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ وَالْإِعَادَةِ أَبَدًا إنْ تَيَمَّمَ بِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ تَيَمَّمَ بِهِ قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ الْأَرْجَحُ الْأَظْهَرُ.
(قُلْتُ) فَيَتَحَصَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحَشِيشِ وَالْحَلْفَاءِ وَالنَّخِيلِ وَالْخَشَبِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ فَيَتَيَمَّمُ بِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إلَّا مَا يُفْهَمُ مِنْ حِكَايَةِ اللَّخْمِيِّ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ قَلْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: وَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالثَّلْجِ لِعَدَمِ الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ تَيَمَّمَ بِذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدَ الصَّعِيدَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ، وَلَا يُعِيدُ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَوْ فَعَلَهُ وَاجِدًا لِلصَّعِيدِ أَعَادَ أَبَدًا، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْحَشِيشِ النَّابِتِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إذَا عَمَّ الْأَرْضَ وَحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا، وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَا حَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْأَرْضِ فَهُوَ مِنْهَا، انْتَهَى.
وَكَلَامُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ يُبَيِّنُ كَلَامَهُ فِي كِتَابِ التَّقْيِيدِ وَالتَّقْسِيمِ
ص (وَفَعَلَهُ فِي الْوَقْتِ)
ش: أَيْ: وَلَزِمَ فِعْلُهُ فِي الْوَقْتِ بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْفِعْلِ الْمُتَيَمَّمِ لَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَفِعْلِهِ فِي الْوَقْتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْحَاضِرَةِ مَعْلُومَةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ دُخُولَ وَقْتِ الْفَائِتَةِ بِتَذَكُّرِهَا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْأَلْغَازِ: وَلَا يَتَيَمَّمُ مَنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُيَمَّمَ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ تَيَمُّمِهِ، وَمِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ اتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ وَفِي الْبُرْزُلِيّ مَنْ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِي الْإِحْرَامِ فَقَطَعَ هَلْ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ؟ فَقَالَ السُّيُورِيّ: لَا يُعِيدُ الْبُرْزُلِيُّ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَطُلْ، وَإِنْ طَالَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ اتِّصَالُهُ بِالصَّلَاةِ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الَّذِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَامَةِ إذَا ذَكَرَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَزَلْ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ وَالْآخَرُ قَطَعَهَا لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ، وَلَا مَسْأَلَةِ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِغَيْبَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ قُدِّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ إحْرَامِ الْأَوَّلِ هَلْ تُعَادُ لَهُ الْإِقَامَةُ أَوْ لَا؟ ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِاخْتِلَافِ الْإِمَامِ فِيهَا، انْتَهَى.
مِنْ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ.
ص (فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ)
ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْعَادِمُونَ لِلْمَاءِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ إذَا فَاتَتْ فَضِيلَةُ الْمَاءِ، وَهَذَا حُكْمُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ، انْتَهَى فَفِي هَذَا الْقِسْمِ نَوْعَانِ.
ص (وَالْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ، أَوْ وُجُودِهِ وَسَطَهُ)
ش: