وَيْلَكِ دَعِينِي أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِكِ، ثُمَّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: عَسَى أَنْ تَأْتِيَ بِفَرَجٍ، فَقَالَ: وَيْحَكِ اُخْتُصِمَ إلَيَّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا أَبَا لَكَ أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ أَقْعِدْهُ فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَرَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ فَهُوَ امْرَأَةٌ، فَقَالَ أَمْسِي سَخِيلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبِّحِي فَرَّجْتِهَا وَاَللَّهِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ حِينَ أَصْبَحَ فَقَضَى بِاَلَّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ انْتَهَى.
قَالَ أَبُو الْقَاسِمُ السُّهَيْلِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ، وَذَكَرَ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ عَامِرَ بْنَ الظَّرِبِ وَحُكْمَهُ فِي الْخُنْثَى وَمَا أَفْتَتْ بِهِ جَارِيَتُهُ سَخِيلَةُ وَهُوَ حُكْمٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ، وَالْعَلَامَاتِ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْقَمِيصَ الْمُدْمَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَرْقٌ وَلَا أَثَرُ أَنْيَابِ ذِئْبٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ} [يوسف: 26] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّامِنُ) فِي مِيرَاثِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا (الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ نِصْفُ الْمِيرَاثَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ ذِكْرِ الْأَحْوَالِ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا مِنْ الْأَعْمَالِ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ لِكُلِّ مُشْكِلٍ بِعَدَدِ أَحْوَالِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْكِلِينَ (الثَّانِي) لِابْنِ حَبِيبٍ إنْ كَانَ وَارِثٌ مِنْ الْخُنْثَى وَغَيْرِهِ يُضْرَبُ فِي الْمَالِ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ فَيَقْتَسِمُونَهُ عَلَى طَرِيقَةِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ فَإِذَا كَانَ وَلَدَانِ ذَكَرٌ وَخُنْثَى ضَرَبَ الذَّكَرُ بِالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَدَّعِي وَضَرَبَ الْخُنْثَى بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَدَّعِي (الثَّالِثُ) لِابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا أَنَّهُ يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ فَأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مَا يَضْرِبُ الذَّكَرُ فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مَنْ يَحْجُبُهُ لَوْ كَانَ ذَكَرًا أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَأَخَذَ الْعَاصِبُ الرُّبْعَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ ضَرَبَ الْخُنْثَى بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ النِّصْفِ إذْ النِّصْفُ أَكْثَرُ مِيرَاثِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ اثْنَانِ ضَرَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ ضَرَبَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثُّلُثَيْنِ.
(الرَّابِعُ) مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ ذَكَرٌ زَادَهُ اللَّهُ فَرْجًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الذُّكُورِيَّةِ قَالَ وَقَدْ غَلَبَ جَانِبُ الذُّكُورِيَّةِ مَعَ الِانْفِصَالِ يَعْنِي فِي الْخِطَابِ لَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ رَجُلًا وَاحِدًا وَأَلْفَ امْرَأَةٍ لَخُوطِبَ الْجَمِيعُ خِطَابَ الذُّكُورِ، فَكَيْفَ وَهُوَ هُنَا مُتَّصِلٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ الْحُوفِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَ مَالِكًا عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ قَالَ الْعُقْبَانِيُّ اُنْظُرْ مَا الَّذِي هَابُوهُ مِنْ سُؤَالِ مَالِكٍ عَنْ الْخُنْثَى انْتَهَى. وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ مَا اجْتَرَأْت عَلَى سُؤَالِ مَالِكٍ عَنْهُ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ) كَالْمَشْهُورِ فِي غَيْرِ مَسَائِلِ الْعَوْلِ، وَأَمَّا مَسَائِلُ الْعَوْلِ فَيُنْظَرُ كَمْ التَّقَادِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَمْ تَقَادِيرُ الْعَوْلِ فِيهَا وَيُؤْخَذُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْعَوْلِ فَيُجْعَلُ عَوْلَ الْمَسْأَلَةِ. مِثَالُ ذَلِكَ عَوْلُ الْغَرَّاءِ ثَلَاثَةٌ فَلَوْ فَرَضْنَا الْأُخْتَ فِيهَا خُنْثَى فَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَوْلُ فِي حَالَةِ التَّأْنِيث فَقَطْ فَلِلْعَوْلِ تَعْدِيلٌ وَاحِدٌ وَنِسْبَتُهُ إلَى حَالِ الْخُنْثَى النِّصْفُ فَيُؤْخَذُ نِصْفُ الْعَوْلِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَوْلُ الْمَسْأَلَةِ فَتَكُونُ مَسْأَلَةُ التَّأْنِيثِ فِيهَا عَائِلَةً إلَى سَبْعَةٍ وَنِصْفٍ، وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ حِسَابِهِ، مِثَالُهُ الْغَرَّاءُ الْمُتَقَدِّمَةُ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ خُنْثَى مُشْكِلٌ فَتَقْدِيرُ الذُّكُورَةِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ بِلَا عَوْلٍ وَيَسْقُطُ الْأَخُ، وَبِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَتُعَوَّلُ لِتِسْعَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ وَالْعِشْرُونَ مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ، فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ فَتَضْرِبُهَا فِي حَالَيْ الْخُنْثَى تَبْلُغُ مِائَةً وَثَمَانِيَةً فَعَلَى تَقْدِيرِ التَّذْكِيرِ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ: [أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ] ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ: [سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ] ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ: [ثَمَانِيَةَ عَشَرَ] .
وَعَلَى التَّأْنِيثِ لِلزَّوْجِ [سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ] ، وَلِلْأُمِّ [أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ] ، وَلِلْجَدِّ [اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ] ، وَلِلْخُنْثَى [سِتَّةَ عَشَرَ] فَيَجْتَمِعُ لِلزَّوْجِ تِسْعُونَ لَهُ نِصْفُهَا وَلِلْأُمِّ سِتُّونَ لَهَا نِصْفُهَا وَلِلْجَدِّ خَمْسُونَ لَهُ نِصْفُهَا وَلِلْخُنْثَى سِتَّةَ عَشَرَ لَهُ نِصْفُهَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُعَوَّلُ مَسْأَلَةُ التَّذْكِيرِ مِنْ سِتَّةٍ