فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَصِيِّ يَشْتَرِي مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ أَوْ يَبِيعُ مِنْهُ مَالُهُ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُحَابِ وَيُكْرَهُ أَوَّلًا فِي ابْتِدَاءٍ، وَانْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا فِي وَصَايَاهَا خِلَافُ مَا فِي اسْتِبْرَائِهَا انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا بَعْدَهُمَا)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِهِ هُوَ لِلْوَصِيَّةِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَقَامَ أَحَدًا عِوَضَهُ أَمْ لَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا تَبَرَّأَ عَنْ الْإِيصَاءِ جُمْلَةً بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ نَظَرٌ أَصْلًا، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ بِأَمْرِهِ، قَالَ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا إلَى نَظَرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَرِيكٌ فِي الْإِيصَاءِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنْظُرُ بِأَمْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ نَوَازِلِ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ مِنْ كِتَابِ الْبَضَائِعِ وَالْوَكَالَاتُ: وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ الرَّجُلِ يُوَكِّلُ وَكِيلًا عَلَى خُصُومِهِ وَقِيَامٍ لِبَنِيهِ أَوْ تَقَاضِي دُيُونٍ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَيُرِيد الْوَكِيلُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ عَلَى مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ أَيَجُوزُ هَذَا؟ قَالَ: لَا يُوَكِّلُ وَكِيلًا عَلَى مَا وَكَّلَ عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ فَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى مَسْأَلَةِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ هُوَ نَصُّ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّيْنِ أَوْ الْأَوْصِيَاءِ هَلْ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوصِيَ بِمَا إلَيْهِ لِشَرِيكِهِ وَلِغَيْرِهِ أَمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِشَرِيكِهِ لَا إلَى غَيْرِهِ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ: وَالْأَوَّلُ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ انْتَهَى.
فَقَوْلُهُ: " إنَّمَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ إلَى آخِرِهِ " مَعْنَاهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى مَا فُوِّضَ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَا خِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ نَاقِلًا عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ الْحَاجِّ قَالَ إذَا أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ الْإِيصَاءِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ بَعْدَ أَنْ أَلْزَمَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ بَيِّنٍ وَلَهُ فِعْلُ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْيَنِ الْعُذْرِ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ الْقَاضِي عَلَى النَّظَرِ لِلْيَتِيمِ أَنْ يُوَكِّلَ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ أَحَدًا غَيْرَهُ حَيِيَ أَوْ مَاتَ وَلَا أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى أَحَدٍ انْتَهَى، وَنَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ كَلَامَ الْبَاجِيِّ، وَنَصُّهُ: " وَلَا يَجُوزُ لِمُقَدَّمِ الْقَاضِي تَوْكِيلُ أَحَدٍ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا عِنْدَ مَوْتِهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ بِمَا جُعِلَ إلَيْهِ إلَى مَنْ شَاءَ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِالنَّظَرِ، وَيَكُونُ وَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْوَصِيُّ فِي حَيَاتِهِ أَنْ يَجْعَلَ مَا بِيَدِهِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَنْظُرُ بِأَمْرِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ زَرْبٍ: لَهُ ذَلِكَ، قِيلَ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فِي نَظَرِهِ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ اهـ. وَفِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ الْبُرْزُلِيِّ وَسَأَلَ ابْنُ دَحُونٍ ابْنَ زَرْبٍ عَنْ الْوَصِيِّ يَتَخَلَّى عَنْ النَّظَرِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ قِيلَ لَهُ: فَلَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ فِي نَظَرِهِ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَخَلَّى مِنْهُ إلَى الَّذِي وَكَّلَ انْتَهَى. وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا قِبَلهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الَّذِي تُوُفِّيَ مِنْهُ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَوَلَّى النَّظَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّى فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ شَرِيكَهُ فِي النَّظَرِ إنْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ وَكَانَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ هَذَا الشَّرْطُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخَلِّيهِ وَيُقَدِّمُ غَيْرَهُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا وَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ هَذَا الشَّرْطُ إذَا ظَهَرَ لَهُ عُذْرٌ وَوُجِدَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَيْهِ الْتِزَامٌ فِي مَرَضِ الْمُوصِي، وَلَا نَظَرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَبَى النَّظَرَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النَّظَرِ، قَالَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَبُولَ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَبَرِئَ