قَالَ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ: سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الْوَصِيِّ أَيُصَالِحُ عَنْ الْأَيْتَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ إنْ رَآهُ نَظَرًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَظَاهِرُهَا أَنَّ الْوَصِيَّ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ الْأَيْتَامِ فِيمَا يَرَاهُ نَظَرًا فِيمَا طُلِبَ لَهُ وَطُلِبَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ الْبَعْضَ، وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ إذَا خَشِيَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ مَا ادَّعَاهُ أَوْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْضَ مَا يُطْلَبُ إذَا خَشِيَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ جَمِيعَهُ، وَهُوَ لَهُ فِي النَّوَادِرِ مَكْشُوفُ خِلَافِ مَا حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا يُطْلَبُ لَهُ لَا فِيمَا يُطْلَبُ بِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، الْمَشَذَّالِيّ اُنْظُرْ الطُّرَرِ فِي تَرْجَمَةِ بَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ دَارِهِ إذَا وَهَتْ أَوْ خَشِيَ تَهَدُّمَهَا انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) وَأَمَّا إبْرَاءُ الْوَصِيِّ عَنْهُ الْإِبْرَاءَ الْعَامَّ فَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْوَكَالَاتِ: إنَّهُ لَا يَبْرَأُ الْوَصِيُّ عَنْهُ مُبَارَأَةً عَامَّةً، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَإِنْ أَبْرَأَ فُلَانًا مِمَّا لَهُ قِبَلَهُ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ فِي الْأَبْرَاءِ الْعَامِّ عَنْ الْيَتِيمِ.
(الثَّانِي) قَالَ الْوَانُّوغِيُّ: لَوْ عَمِلَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ فِي أَرْضِ الصَّغِيرِ مُغَارَسَةً لِأَنْفُسِهِمَا كَانَ لَهُمَا قِيمَةُ عَمَلِهِمَا مَقْلُوعًا انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) إذَا تَجَرَ الْوَصِيُّ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ أَوْ لِلْيَتِيمِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَلِيءِ فَيَكُونُ لَهُ، وَالْمُعْدَمِ فَيَكُونُ لِلْيَتِيمِ؟ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْمُتَيْطِيُّ، وَنَقَلَهَا عَنْهُ الْوَانُّوغِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْوَصِيِّ وَهُوَ الَّذِي عَزَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ لِأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ مِنْ الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ لَوْ تَجَرَ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ فَرَبِحَ فَلَمَّا رَشَدَ الْيَتِيمُ قَالَ لِلْوَصِيِّ إنَّمَا تَجَرْت عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي وَأَنْكَرَ الْوَصِيُّ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لِلْوَصِيِّ.
(الْخَامِسُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيّ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ لَوْ تَسَلَّفَ الْوَصِيُّ عَلَى الْأَيْتَامِ حَتَّى يُبَاعَ لَهُمْ فَتَلِفَ مَا لَهُمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ الْمَشَذَّالِيّ يُرِيدُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْرَمَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِمَنْ اسْتَسْلَفَهُ مِنْهُ، وَهَذَا إذَا قَالَ لِلْمُسَلِّفِ إنَّمَا أَسْتَسْلِفُهُ لِلْأَيْتَامِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقُلْ فَالضَّمَانُ لَازِمٌ لَهُ قَالَهُ فِي الطُّرَرِ وَكَانَ مِنْ حَقِّ الْوَانُّوغِيِّ أَنْ لَا يَتْرُكَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِإِعْطَاءِ كَلَامِهِ سُقُوطَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا انْتَهَى.
(السَّادِسُ) مِنْهُ أَيْضًا لَوْ كَانَ لِلْأَيْتَامِ إخْوَةٌ فَأَنْفَقَ الْوَصِيُّ عَلَى بَعْضِهِمْ مِنْ مَالِ بَعْضٍ ضَمِنَ الْوَصِيُّ لِمَنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(السَّابِعُ) قَالَ فِي الطُّرَرِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مَنْ بِيَدِهِ مَالُ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَلْيَرْفَعْ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سُلْطَانٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصَدَّقُ فِي مِثْلِ نَفَقَةِ ذَلِكَ الصَّبِيِّ، وَزَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَ سَنَدٌ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ فِي نَفَقَتِهِ وَحِجْرِهِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِبَيْعٍ فَخَسِرَ أَوْ بِبِضَاعَةٍ فَذَهَبَ كَانَ ضَامِنًا كَمَنْ تَجَرَ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَرِّكَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
(الثَّامِنُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي تَرْجَمَةِ شِرَاءِ مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ أَسْنَدَهُ إلَيْهِ أَوْ تَسَلَّفَهُ مِنْهُ وَمِنْ الْوَاضِحَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَسَلَّفَ مِمَّا أُودِعَ أَوْ كَانَ فِيهِ وَصِيًّا انْتَهَى.
ص (وَالِاشْتِرَاءُ مِنْ التَّرِكَةِ وَتُعُقِّبَ بِالنَّظَرِ)
ش: قَالَ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ: وَلَا يَشْتَرِي الْوَصِيُّ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يُوَكِّلُ وَلَا يُؤَمِّنُ، فَإِنْ فَعَلَ تُعُقِّبَ ذَلِكَ انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220] اُخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يَشْتَرِي فِي مَشْهُورِ الْأَقْوَالِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ شَيْئًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ التُّهْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ بَيْعَ سُلْطَانٍ فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يَشْتَرِي مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدُسَّ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ مِنْهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ