الْقَوَاعِدِ وَكَيْفَ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا مَغِيبٍ إلَّا تَخْفِيفًا عَنْ شُعُوبِ النَّاسِ فَهَلْ تَجُوزُ أَحْكَامُهُمْ وَمُخَاطَبَتُهُمْ غَيْرَهُمْ مِنْ قُضَاةِ الْبَلَدِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ ضَرْبُ الْآجَالِ أَوْ التَّعْجِيزِ فِي الْمَطَالِبِ وَهَلْ يُقِيمُونَ الْحَدَّ فِي الْخَمْرِ وَفِي الزِّنَا عَلَى الْبِكْرِ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ قُضَاةِ الْقَوَاعِدِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فَكَيْفَ يُعْرَفُ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ بِإِذْنِ قَاضِي الْكُورَةِ أَمْ بِإِعْلَامِ الَّذِي وَلَّاهُ وَهَذَا قَدْ تَتَعَذَّرُ مَعْرِفَتُهُ بَيِّنْ لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ بَيَانًا شَافِيًا الْجَوَابُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهُوَ حَاضِرٌ غَيْرُ مَرِيضٍ وَأَمَّا إنْ غَابَ أَوْ مَرِضَ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ الَّذِي قَدَّمَهُ قَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ لَهُ فِي تَقْدِيمِهِ إيَّاهُ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ سِيرَةِ أَحْكَامِهِ فِي الْكَوْرِ وَيَنْزِلُ مُسْتَخْلِفُهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ مَنْزِلَتَهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ كِتَابَ تَقْدِيمِهِ إيَّاهُ وَلَا كَانَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا مِنْ سِيرَةِ أَحْكَامِهِ فِي الْكَوْرِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِي مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ صُدِّقَ فِي قَوْلِهِ وَجَازَتْ أَحْكَامُ مُسْتَخْلِفِهِ إذْ قَدْ قِيلَ إنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ دُونَ إذْنِ الَّذِي قَدَّمَهُ مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظِهِ وَنَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ وَقَبِلَهُ (قُلْتُ) قُضَاةُ الْكَوْرِ هُمْ النُّوَّابُ الَّذِينَ يَسْتَخْلِفُهُمْ قُضَاةُ الْقَوَاعِدِ فِي الْقُرَى وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ غَيْرُ مَرِيضٍ يُرِيدُ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُسَافِرْ جَازَتْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَوَّلَ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ وَمَنَعَهَا عَلَى إذْنِ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ دُونَ ضَرُورَةِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَعَ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْ وَلَّاهُ وَمُنِعَ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلَوْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِذْنِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ حُكْمُ النُّوَّابِ مَعَ مَنْ اسْتَنَابَهُمْ حُكْمَ الْقُضَاةِ مَعَ السُّلْطَانِ فَإِنْ مَنَعَهُمْ الَّذِي قَدَّمَهُمْ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاسْتِنَابَةُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَجَازَ لَهُمْ الِاسْتِنَابَةَ جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبُوا عَلَى مُقْتَضَى الْإِذْنِ فَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ مُطْلَقًا جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَإِنْ عَرِيَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَنْ الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاسْتِنَابَةُ مُطْلَقًا وَقِيلَ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ عِنْدَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَقْضِيَةِ: لَفْظُ الِاسْتِنَابَةِ وَالِاسْتِخْلَافِ يَقْتَضِي النَّظَرَ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إلَّا مَا نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ فِي الْوَصَايَا وَالْأَحْبَاسِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّحْجِيرِ وَالْقَسْمِ وَالْمَوَارِيثِ إلَّا أَنْ يَقْصُرَهُ الْقَاضِي عَلَى نَوْعٍ فَلَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ، انْتَهَى. وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ شَخْصٌ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ بَلَدًا وَأَعْمَالَهَا وَصَرَّحَ لَهُ بِالْإِذْنِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَعَرَضَ لِلْقَاضِي الْمُشَاوَرُ إلَيْهِ سَفَرٌ إلَى بَلَدِ السُّلْطَانِ فَفَوَّضَ جَمِيعَ مَا فَوَّضَهُ لَهُ السُّلْطَانُ لِإِنْسَانٍ وَأَسْنَدَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا هُوَ دَاخِلٌ فِي وِلَايَتِهِ وَمَشْمُولٌ بِعُمُومِهَا وَصَرَّحَ لَهُ بِالتَّفْوِيضِ وَنَصَبَ النُّوَّابَ وَالْعَزْلَ فَأَقَامَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ قَاضِيًا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ الْمَشْرُوحِ، فَهَلْ اسْتِنَابَةُ الْإِنْسَانِ الْمَذْكُورِ الْمُفَوَّضِ لَهُ لِهَذَا الْقَاضِي صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟ .
وَإِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً فَهَلْ يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِنَقْضِ أَحْكَامِ هَذَا الْقَاضِي الْمُشَارِ إلَيْهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ بِمَا نَصُّهُ: قَدْ نَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الْقَضَاءَ وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ جَازَ ذَلِكَ وَعُمِلَ بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَجَرَّدَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَنْ إذْنِ الِاسْتِخْلَافِ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِخْلَافٌ فَقَالَ شَارِحُهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى عَدَمِهِ عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْقَاضِي: إنْ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْلَافِهِ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ