قَالَ كَقَوْلِ الْحَسَنِ وَالطَّبَرِيِّ بِإِجَازَةِ وِلَايَتِهَا الْقَضَاءَ مُطْلَقًا (قُلْتُ) الْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ زَرْقُونٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ شَذَّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَقَالَ الْفِسْقُ لَا يُنَافِي الْقَضَاءَ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْهَا. (قُلْتُ) فَجُعِلَ مَا هُوَ مُنَافٍ لِلشَّهَادَةِ مُنَافٍ لِلْقَضَاءِ فَكَمَا أَنَّ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالْحُدُودَ لَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَتُهَا فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِيهَا قَضَاؤُهَا، انْتَهَى.
ص (فَطِنٌ)
ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْفَطَانَةِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَزِلُّ فِي رَأْيِهِ وَلَا تَتَمَشَّى عَلَيْهِ حِيَلُ الشُّهُودِ وَأَكْثَرِ الْخُصُومِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَقَعْ فِي كُلِّ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَكَلَامُ الطُّرْطُوشِيِّ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ، انْتَهَى. وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْفِطْنَةَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ فَقَالَ: وَأَنْ يَكُونَ فَطِنًا غَيْرَ مَخْدُوعٍ لِعَقْلِهِ، انْتَهَى. وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَدَّ ابْنُ الْحَاجِبِ كَوْنَهُ فَطِنًا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطُّرْطُوشِيِّ لَا يُكْتَفَى بِالْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيِّنَ الْفِطْنَةِ بَعِيدًا مِنْ الْغَفْلَةِ وَعَدَّهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ شَاسٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مُطْلَقَ الْفِطْنَةِ الْمَانِعَ مِنْ كَثْرَةِ التَّغَفُّلِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْفِطْنَةُ الْمُوجِبَةُ لِلشُّهْرَةِ بِهَا غَيْرُ النَّادِرَةِ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ، فَعَلَى هَذَا طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ فَطِنًا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ كَحَذِرٍ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ، انْتَهَى. فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: ذَا فِطْنَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(لَطِيفَةٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْمُدَوَّنَةِ: رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ بِالْبَصْرَةِ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ أَنْ اجْمَعْ بَيْنَ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ فَوَلِّ الْقَضَاءَ أَنْفَذَهُمَا فَجَمَعَ عَدِيٌّ بَيْنَهُمَا وَقَالَ لَهُمَا: مَا عَهِدَ بِهِ عُمَرُ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إيَاسٌ: سَلْ عَنِّي وَعَنْ الْقَاسِمِ فَقِيهَيْ الْبَصْرَةِ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَكَانَ الْقَاسِمُ يَأْتِي الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَإِيَاسُ لَا يَأْتِيهِمَا فَعَلِمَ الْقَاسِمُ أَنَّهُ إنْ سَأَلَهُمَا أَشَارَا بِهِ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: لَا تَسْأَلْ عَنِّي وَلَا عَنْهُ فَوَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنَّ إيَاسًا أَفْقَهُ مِنِّي وَأَعْلَمُ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَمَا عَلَيْكَ أَنْ تُوَلِّيَنِي وَأَنَا كَاذِبٌ وَإِنْ كُنْتُ صَادِقًا فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقْبَلَ قَوْلِي فَقَالَ لَهُ إيَاسٌ: إنَّك جِئْت بِرَجُلٍ وَأَوْقَفْته عَلَى شَفَا جَهَنَّمَ فَنَجَّى نَفْسَهُ مِنْهَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا وَيَنْجُو مِمَّا يَخَافُ فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ: أَمَا إنَّك إذْ فَهِمْتهَا فَأَنْتَ لَهَا فَاسْتَقْضَاهُ، انْتَهَى.
ص (مُجْتَهِدٌ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَأَمْثَلُ مُقَلِّدٍ)
ش: يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ الْعِلْمَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَكَذَا عَدَّهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَالْقَرَافِيُّ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ