وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اللُّقَطَةِ تُوجَدُ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَقَالَ: تُدْفَعُ إلَى أَحْبَارِهِمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلٌ فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِي الْأَمَاكِنِ أَنْ تَكُونَ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَتْ وُجِدَتْ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا تُدْفَعَ إلَى أَحْبَارِهِمْ إلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِهَا اسْتِحْسَانًا لِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَنَّهَا لَهُمْ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فَإِذَا دُفِعَتْ إلَيْهِمْ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمُوهَا لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ أَنْ تُدْفَعَ ابْتِدَاءً إلَى أَحْبَارِهِمْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ مَعَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ مِنْ دِينِنَا أَنْ يَكُونَ حُكْمُ لُقَطَةِ أَهْلِ مِلَّتِنَا مَصْرُوفًا إلَيْنَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُدْفَعَ إلَى أَحْبَارِهِمْ وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً أَبَدًا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ التَّصَدُّقِ) ش، قَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ: وَلِأَنَّا نُجَوِّزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِاللُّقَطَةِ عَنْ رَبِّهَا ثُمَّ إنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَضِيَ جَازَ، انْتَهَى. فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّصَدُّقِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا وَأَمَّا تَصَدُّقُهُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي تَمَلُّكِهِ إيَّاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَكْرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا قَبْلَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ التَّافِهُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: الْكَرَاهَةُ هُنَا عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، انْتَهَى.
ص (أَوْ التَّمَلُّكِ وَلَوْ بِمَكَّةَ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ وَعِبَارَةُ ابْنِ رُشْدٍ قَوِيَّةٌ إذْ قَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا عَدَا لُقَطَةِ مَكَّةَ فَأَمَّا مَكَّةُ فَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ اسْتِنْفَاقُهَا بِإِجْمَاعٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا أَبَدًا وَإِنْ طَالَ زَمَانُهَا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْإِكْمَالِ عَنْ الْمَازِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ حُكْمَ اللُّقَطَةِ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ حُكْمٌ وَاحِدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، انْتَهَى. مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ (تَنْبِيهٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَفِي جَمِيعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْتِقَاطَ اللُّقَطَةِ وَتَمَلُّكَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَلَا إذْنِ سُلْطَانٍ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. وَفِي التَّمْهِيدِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُلَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْغَنِيِّ، فَقَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وَيَضْمَنَهَا، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: (قُلْتُ) لِمَالِكٍ، قَالَ: إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ شَاءَ اسْتَنْفَقَهَا وَإِنْ شَاءَ صَاحِبَهَا أَدَّاهَا إلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَأْكُلُ اللُّقَطَةَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ بَعْدَ حَوْلٍ وَهَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلِهِ، انْتَهَى.
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ اللُّقَطَةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اللُّقَطَةِ يَجِدُهَا الرَّجُلُ فَيُعَرِّفُهَا سَنَةً فَلَا يَجِدُ صَاحِبَهَا فَيَسْتَنْفِقُهَا ثُمَّ يَحْضُرُهُ الْوَفَاةُ فَيُوصِي بِهَا وَيَتْرُكُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا وَفَاءَ لَهُ كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءُ بِهَا أَهْلَ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهَا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمِدْيَانِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ جَائِزٌ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَانَ إقْرَارُهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ عِنْدَ الصِّحَّةِ مِنْ الْمَرَضِ فِي رَهْنِهِ وَقَضَاءِ بَعْضِ غُرَمَائِهِ