عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْبَغْدَادِيِّ الْحَنْبَلِيِّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبِذَلِكَ أَيْضًا أَفْتَى بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَقَالَ: لِلْقَاضِي أَنْ يُقَرِّرَ فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِ مَالِكٍ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَبِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ التَّقْرِيرَ مَثَلًا فِي الْوَظِيفَةِ فِي الْوَقْفِ لَهُ شِبْهُ الْحَقِّ عَلَى النَّاظِرِ فِي وُجُوبِ إنْفَاذِ أَمْرِ الْوَاقِفِ وَعَدَمِ تَعْطِيلِ وَقْفِهِ فَإِذَا عَيَّنَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا كَانَ كَحُكْمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا يَدَّعِي بِهِ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ سَاغَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ دَارَ الْغَائِبِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ إذَا قَدِمَ الْغَائِبُ بِبَرَاءَةٍ أَوْ بِمَا يُتْرَكُ عَنْهُ الْحَقُّ أَنَّ الْبَيْعَ مَاضٍ وَيَتْبَعُ بِالثَّمَنِ مَنْ أَخَذَهُ فَإِذَا مَضَى حُكْمُ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ شَرْعًا فَأَحْرَى أَنْ يَمْضِيَ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ إذَا غَابَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ وَبِمَا قَالَهُ أَيْضًا فِي تَرْجَمَةِ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ النَّوَادِرِ وَنَصُّهُ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذَا كَانَ الْغَائِبُ صَغِيرًا لَمْ يَضْرِبْ لَهُ أَجَلًا لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا أَخَذَ لَهَا وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي وِلَايَةِ أَحَدٍ غَائِبٍ ضَرَبَ لِوَلِيِّهِ أَجَلًا وَإِنْ حَضَرَ خَاصَمَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلِيٌّ فَلْيُوَلِّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَلِيًّا يَكُونُ وَلِيًّا لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ لَهُ وَلَا يَخُصُّهُ بِالْوِلَايَةِ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ فَقَطْ فَيَكُونُ قَدْ نَصَبَ لَهُ وَكِيلًا يُخَاصِمُ عَنْهُ وَهَذَا لَا يَكُونُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُفْتِي. وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ لَمْ أَرَهَا فِي النَّوَادِرِ وَرَأَيْتُهَا بِخَطِّ الْمُفْتِي مُزَادَةً فِي الْهَامِشِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَبْقَى هُنَا مَسْأَلَةٌ وَهِيَ لَوْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِشَخْصٍ غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ وَإِقَامَتُهُ إنَّمَا هِيَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ إلَى بَلَدِ الْوَاقِفِ كَمَا لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ فِي حَبْسِهِ الَّذِي بِمَكَّةَ لِمَنْ كَانَ سُلْطَانًا بِمِصْرَ فَالظَّاهِرُ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يُعْلَمَ مَا يَأْمُرُ بِهِ النَّاظِرُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ قَدَّمَ الْمُحْبِسُ مَنْ رَأَى لِذَلِكَ أَهْلًا فَلَهُ عَزْلُهُ وَاسْتِبْدَالُهُ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ حَبَسَ عَلَى بَنَاتٍ لَهُ وَقَدْ بَلَغْنَ فَحُزْنَ أَمْوَالَهُنَّ وَكَانَ عَمُّهُنَّ يَلِي حَبْسَهُنَّ فَاتَّهَمْنَهُ فِي غَلَّتِهِنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ أَنْ يُوَكِّلَ لِحَقِّهِ فَإِنْ كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ جُعِلَ مَعَهُ مَنْ يُوَكِّلُهُ بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَمَّ قَدَّمَهُ الْمُحْبِسُ وَلَوْ كَانَ بِتَقْدِيمِهِنَّ لَهُ لَكَانَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يُرِيدُ سَيِّئَ النَّظَرِ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَإِنَّمَا رَأَى أَنْ تُوَكِّلَ لِحَقِّهَا وَلَمْ تَعْزِلْهُ لِأَنَّهُ رَضِيَهُ بَعْضُهُنَّ وَلَوْ لَمْ تَرْضَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَعَزَلَهُ الْقَاضِي عَنْهُنَّ وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ مَالِكَاتٍ لِأَنْفُسِهِنَّ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ السُّلْطَانِ غَيْرَهُ.
وَقَالَ ابْنُ دَحُونٍ لَوْ اتَّهَمَهُ جَمِيعُهُنَّ لَكَانَ لَهُنَّ عَزْلُهُ وَإِنَّمَا بَقِيَ لِأَنَّهُنَّ اخْتَلَفْنَ فِي تُهْمَتِهِ وَفِي قَوْلِهِ نَظَرٌ (قُلْت) قَوْلُ ابْنِ دَحُونٍ هُوَ مَعْنًى مُتَقَدِّمٌ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَنَزَلَتْ فِي حَبْسٍ حَبَسَتْهُ حُرَّةٌ أُخْتُ أَمِيرِ بَلَدِنَا وَجَعَلَتْهُ بِيَدِ شَيْخِنَا ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ يُدَرِّسُ بِهِ ثُمَّ نَقَلَتْهُ لِشَيْخِنَا ابْنِ سَلَامَةَ فَقَبِلَهُ وَشَهِدَ فِي الْعَزْلِ وَالتَّوْلِيَةِ جَمِيعُ الشُّهُودِ الَّذِينَ كَانُوا حِينَئِذٍ مُنْتَصِبِينَ لِلشَّهَادَةِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِالتَّفْرِيطِ ا. هـ. وَلَكِنْ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِذَلِكَ نَظَرٌ لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسَأَلَ ابْنُ دَحُونٍ ابْنَ زَرْبٍ عَنْ الْوَصِيِّ يَتَخَلَّى عَنْ النَّظَرِ إلَى رَجُلٍ آخَرَ. قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ قِيلَ لَهُ فَلَوْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ فِي نَظَرِهِ؟ قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَخَلَّى مِنْهُ إلَى الَّذِي وَكَّلَهُ (قُلْت) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ حَبَسَ شَيْئًا وَجَعَلَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَرَادَ عَزْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِمُوجِبٍ يَظْهَرُ كَالْقَاضِي إذَا قَدَّمَ أَحَدًا وَنَزَلْتُ بِشَيْخِنَا الْإِمَامِ وَكَانَ يُقَدِّمُ عَلَى أَحْبَاسِهِ مَنْ يَسْتَحْسِنُهُ وَيَعْزِلُ مَنْ يَظْهَرُ لَهُ عَزْلُهُ وَهُوَ عِنْدِي صَوَابٌ لِأَنَّ نَظَرَ الْمُحْبِسِ أَقْوَى مِنْ نَظَرِ الْقَاضِي فِي حَبْسِهِ فَلَا يَتَسَوَّرُ عَلَيْهِ فِيهِ مَا دَامَ حَيًّا كَمَا لَهُ التَّقْدِيمُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ