مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ كِرَاءِ الْأَحْبَاسِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَهِيَ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ قَطِيعٌ مُحْبَسٌ بَاعَتْهُ الْمُحْبِسَةُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ الْمُحْبَسَةِ عَلَى رَجُلَيْنِ أَكْرَاهَا أَحَدُهُمَا وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَبْسِ يُزَادُ فِيهِ أَوْ يَعْمُرُ مِنْ غَلَّتِهِ وَكِرَاءُ الْحَبْسِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةَ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ قَالَ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِيمَنْ حَبَسَ حَبْسًا وَجَعَلَ امْرَأَتَهُ تَلِيهِ وَتَقْسِمُهُ بَيْنَ بَنِيهَا بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ فَكَانَتْ تَلِي ذَلِكَ فَمَاتَتْ؛ قَالَ يَلِي ذَلِكَ مِنْ وَرَثَتِهَا أَهْلُ حُسْنِ الرَّأْيِ مِنْهُمْ انْتَهَى مِنْ تَرْجَمَةِ جَامِعُ مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْأَحْبَاسِ وَالْعُمْرَى وَالْخِدْمَةِ وَهَذَا لَعَلَّهُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ حَاكِمٌ أَوْ فِيهِ وَلَا يَصِلُ إلَيْهِ وَلَا يَلْتَفِتُ لِلنَّظَرِ فِي الْأَحْبَاسِ أَوْ يَكُونُ نَظَرُهُ فِيهَا سَبَبًا لِهَلَاكِهَا وَضَيْعَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ حَوْزُ الْأَبِ عَلَى مَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِذَا حَبَسَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ حَبْسًا وَكُلُّ مَنْ يَقُومُ بِهِ فَذَلِكَ لَهُ فَإِنْ بَلَغُوا كُلُّهُمْ فَأَرَادُوا الْقِيَامَ بِالْحَبْسِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَالْوَكِيلُ يَقُومُ بِحَالِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كَبِيرٌ يَوْمَ وَكَّلَ فَلَهُمْ إذَا كَبِرُوا قَبْضُ حَبْسِهِمْ فَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ كَانُوا كِبَارًا كُلُّهُمْ يَوْمَئِذٍ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إذَا كَانُوا صِغَارًا كُلُّهُمْ وَوَكَّلَ عَلَيْهِمْ أَنَّ لَهُمْ إذَا كَبِرُوا قَبْضَ حَبْسِهِمْ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا فُهِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْمُحْبِسِ أَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْ النَّاظِرِ مَا كَانَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ مَاتَ الْوَكِيلُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ ذَلِكَ الْأَبُ إلَيْهِ. قَالَ أَصْبَغُ وَلْيَرْجِعْ الْقِيَامُ بِذَلِكَ إلَى الْمُحْبِسِ أَوْ وَصِيِّهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ.
(الثَّانِي) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا جَعَلَ النَّظَرَ لِشَخْصٍ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوصِيَ بِالنَّظَرِ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ رَسْمِ اسْتَأْذَنَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اجْعَلْهُ إلَى مَنْ شِئْت وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ كُلُّ مَنْ مَلَكَ حَقًّا عَلَى وَجْهٍ يَمْلِكُ مَعَهُ عَزْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ كَالْقَاضِي وَالْوَكِيلِ وَلَوْ مُفَوَّضًا وَخَلِيفَةَ الْقَاضِي لِلْأَيْتَامِ وَشِبْهَ ذَلِكَ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) لَوْ غَابَ النَّاظِرُ فِي بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ وَاحْتَاجَ الْحَبْسُ إلَى مَنْ يَنْظُرُ فِي بَعْضِ شَأْنِهِ فَهَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ أَوْ يُوقِفَ الْأَمْرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْغَائِبُ؟ الظَّاهِرُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَيُمْضِيَ مَا فَعَلَهُ فِي غَيْبَةِ النَّاظِرِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ إبْطَالُ مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي فِي غَيْبَتِهِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا إلَّا فُتْيَا وُجِدَتْ مَنْسُوبَةً لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يُسَمَّى عَلِيُّ بْنُ الْجَلَالِ وَصُورَتُهَا (مَا تَقُولُ) السَّادَاتُ الْعُلَمَاءُ فِي دَرْسٍ بِمَكَّةَ بِهِ مُدَرِّسٌ وَطَلَبَةٌ وَنَاظِرٌ وَقْفِهِ غَائِبٌ بِالْقَاهِرَةِ فَشَغَرَتْ وَظِيفَةُ طَلَبٍ بِالدَّرْسِ الْمَذْكُورِ بِحُكْمِ وَفَاةِ مَنْ كَانَ بِهَا فَوَلَّى قَاضِي مَكَّةَ تِلْكَ الْوَظِيفَةَ شَخْصًا لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ بِالْقَاهِرَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ فَهَلْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا صَحَّتْ التَّوْلِيَةُ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ أَنْ يُوَلِّيَ شَخْصًا آخَرَ خِلَافَ مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي مُعْتَقِدًا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا نَظَرَ لَهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) وِلَايَةُ قَاضِي مَكَّةَ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الْوَظِيفَةَ عِنْدَ غَيْبَةِ النَّاظِرِ لِلْمَدْرَسَةِ الْغَيْبَةَ الْبَعِيدَةَ وَشُغُورِ الْوَظِيفَةِ عَمَّنْ كَانَ بِهَا بِمَوْتِهِ صَحِيحَةٌ وَاقِعَةٌ بِمَحَلِّهَا لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ كَالْمَرْأَةِ إذَا غَابَ وَلِيُّهَا وَاحْتَاجَتْ إلَى التَّزْوِيجِ فَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ إبْطَالُ مَا وَقَعَ مِنْ تَوْلِيَةِ الْحَاكِمِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَلَالِ الْمَالِكِيُّ وَأَجَابَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَجَابَ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ بِمَا نَصُّهُ نَعَمْ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي الْوَظِيفَةَ لِمَنْ ذَكَرَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَلِّيَ شَخْصًا آخَرَ خِلَافَ مَنْ وَلَّاهُ الْقَاضِي وَالِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَجَابَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الأنبابي الشَّافِعِيُّ بِمَا أَجَابَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا أَجَابَ كُلٌّ مِنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السُّعُودِيِّ الْحَنَفِيِّ وَالشَّيْخِ