الصُّوَرِ إجَارَةُ الْمِثْلِ، وَفِي بَعْضِهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا أَيْ عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَأَنْ ازْدَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي اُشْتُرِطَ فِي الْمُسَاقَاةِ عَيْنًا، أَوْ عَرَضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ، فَقَدْ خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِي حَائِطِهِ بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ بِالْعُرُوضِ وَبِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ، وَتِلْكَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَيُحَاسِبُهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِمَا كَانَ أَعْطَاهُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الثَّمَرَةِ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْعَامِلِ، فَقَدْ خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ أَيْضًا إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ الْجُزْءَ الْمُسَمَّى فِي الْمُسَاقَاةِ بِمَا دَفَعَ مِنْ الدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ، أَوْ الْعُرُوضِ، أَوْ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيَأْخُذَ مِنْ رَبِّ الْحَائِطِ مَا زَادَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا جَاءَهَا الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا عَقَدَاهَا عَلَى غَرَرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ هِيَ الْوَاجِبَةُ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، وَعَدَّهَا تِسْعًا، فَقَالَ: كَمُسَاقَاتِهِ مَعَ ثَمَرٍ أُطْعِمَ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ طَابَتْ ثَمَرَةُ نَخْلِهِ، فَسَاقَاهُ هَذِهِ السَّنَةِ وَسَنَتَيْنِ بَعْدَهَا لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ، وَإِنْ وَجَدَ الْعَامِلُ الثَّمَرَةَ كَانَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَمَا أَنْفَقَ فِيهَا، فَإِنْ عَمِلَ بَعْدَ جَدَادِ الثَّمَرَةِ لَمْ تُفْسَخْ بَقِيَّةُ الْمُسَاقَاةِ، وَلَهُ اسْتِكْمَالُ الْحَوْلَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، وَلَهُ فِيهِمَا مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَلَا أَفْسَخُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعَامِ الثَّانِي؛ إذْ قَدْ تَقِلُّ ثَمَرَةُ الْعَامِ الثَّانِي، وَتَكْثُرُ فِي الثَّالِثِ، فَأَظْلِمُهُ، وَهَذَا كَأَخْذِ الْعَرَضِ قِرَاضًا إنْ أُدْرِكَ بَعْدَ بَيْعِهِ، وَإِنْ أَدَّى وَبَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ فُسِخَ، وَلَهُ أَجْرُ بَيْعِهِ انْتَهَى.

، فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ فُسِخَتْ، وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِيمَا سَقَى، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ حَتَّى شَرَعَ فِي الثَّانِي كَانَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى، وَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِيمَا بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ مَعَ بَيْعٍ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ حَائِطَهُ بِجُزْءٍ وَبَاعَهُ سِلْعَةً مَعَ الْمُسَاقَاةِ، فَفِي ذَلِكَ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ قَالَ: أَوْ مَعَ إجَارَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى.

وَانْظُرْ الشَّرْحَ الْكَبِيرَ: لِبَهْرَامَ، أَوْ اشْتَرَطَ عَمَلَ رَبِّهِ يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ نَزَلَ، فَلَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ انْتَهَى.

وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوْ مُشَارَكَةَ رَبِّهِ، إذَا قَالَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ: تَعَالَ أَسْقِ أَنَا وَأَنْتَ حَائِطِي، وَلَكَ نِصْفُ ثَمَرِهِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ حَمَلَهُ لِمَنْزِلِهِ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ فِي رَسْمِ الْبُيُوعِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُ قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَ نَصِيبِهِ إلَى مَنْزِلِهِ إلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الْمُسَاقَى عَلَى الْعَامِلِ؟ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِ، هَذِهِ زِيَادَةٌ تَزْدَادُهَا قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ مُؤْنَةٌ قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَرِيبَ الْمِيلِ، وَمَا أَشْبَهَهُ؟ قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي، وَقَالَهُ أَصْبَغُ قَالَ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ فِي الْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَفَاتَتْ، رُدَّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ بِلَا حُمْلَانٍ عَلَيْهِ وَسَقَطَ الْجُزْءُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي الشَّرْطِ ابْنُ رُشْدٍ، أَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ حَمْلَ نَصِيبِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، فَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَةٌ، وَكَرَاهِيَتُهُ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ زَادَهَا رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ إذَا وَقَعَ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُرَدَّ إذَا فَاتَ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي الْمَكَانِ الْقَرِيبِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يُرَدَّ فِيهِ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْبَغَ: أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي الْمَكَانِ الْبَعِيدِ، فَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَتَخَرَّجُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرُدُّ الْعَامِلَ فِي الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ كُلِّهَا إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا فِي الْمُقَدِّمَاتِ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَاخْتُلِفَ إذَا فَاتَتْ بِالْعَمَلِ مَاذَا يَجِبُ لِلْعَامِلِ فِيهَا بِحَقِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015