شَرْطٌ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ الْأُولَى: أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى فَسَادِهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ فَسْخُهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى فَسَادِهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ، وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ سِنِينَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ وَقَعَتْ عَلَى سِنِينَ كَثِيرَةٍ، وَالْحُكْمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَجَبَ فَسْخُ الْمُسَاقَاةِ حِينَ يُعْثَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ لَمْ تُفْسَخْ الْمُسَاقَاةُ وَيَسْتَمِرَّانِ إلَى تَمَامِ الْعَمَلِ، وَإِلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنْ بَعْدَ سَنَةٍ لَكَانَ أُوضِحَ، بَلْ لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي إذَا اُطُّلِعَ عَلَى فَسَادِهَا عِنْدَ كَمَالِ السَّنَةِ أَنْ تُفْسَخَ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِي بَاقِي السِّنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ قَدْ تَمَّ عَمَلُهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَأَخَذَ مُسَاقَاةَ مِثْلِهِ فِيهَا، فَلَمْ يَذْهَبْ عَمَلُهُ بَاطِلًا، فَلِمَ يَتْرُكُونَهُ يَعْمَلُ فِي بَقِيَّةِ السِّنِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ: أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَائِطَ قَدْ تَقِلُّ ثَمَرَتُهُ فِي عَامٍ، وَتَكْثُرُ فِي آخَرَ، فَلَوْ لَمْ يَتَمَادَ عَلَى الْعَمَلِ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ لَكَانَ فِيهِ غَبْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ سَاقَى حَائِطَهُ، وَقَدْ أُطْعِمَ عَلَى تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي أَطْعَمَ فِيهَا، أَوْ عَلَى سِنِينَ بَعْدَهَا، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ: أَنَّهُ إنَّمَا تَفُوتُ كُلُّ سَنَةٍ بِظُهُورِ الثَّمَرَةِ فِيهَا، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ فِي أَثْنَائِهِ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا تَمَادَى، وَلَوْ بَعْدَ سَنَةٍ، وَكَانَ مُشِيرًا إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ لَكَانَ أَبَيْنَ، فَقَوْلُهُ: إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ إلَخْ وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ: إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا أَعْنِي قَوْلَهُ: بِلَا عَمَلٍ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلِلْفَاسِدَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ قَبْلَ الْعَمَلِ، فَتُفْسَخُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَعْنِي إذَا عُثِرَ عَلَى الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ وَجَبَ فَسْخُهَا عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ فَاسِدَةً، وَإِذَا فَسَخُوا الْبِيَاعَاتِ الْمَكْرُوهَةَ قَبْلَ الْفَوَاتِ، فَالْفَاسِدُ أَوْلَى بِالْفَسْخِ انْتَهَى.
وَكَذَا أَطْلَقَ ابْنُ شَاسٍ الْفَسْخَ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْعَمَلِ، وَكَذَا ابْنُ عَرَفَةَ نَاقِلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّ الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي جَوَّزَهُ الشَّارِعُ، فَإِنَّهَا تُفْسَخُ مَا لَمْ تَفُتْ بِالْعَمَلِ وَرَدِّ الْحَائِطِ إلَى رَبِّهِ انْتَهَى.
وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ: أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ مَا عُثِرَ عَلَى فَسَادِ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَيْهَا فِي بَيَانِهَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ (تَنْبِيهٌ:) إنَّمَا قُلْنَا: الْمُسَاقَاةُ تُفْسَخُ إذَا عُثِرَ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْعَامِلِ حِينَئِذٍ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ، وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ، فَلَا تُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى تَمَامِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَرْجِعُ لِلْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَسَخْنَاهَا لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَالْجُعْلِ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ قَالَهُ فِي: التَّوْضِيحِ: ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ بِمَالِهِ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِ عِيَاضٌ انْتَهَى.
(فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ انْتَهَى هَذَا: إنَّ إجَارَةَ الْمِثْلِ تَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنَّ مُسَاقَاةَ الْمِثْلِ لَا تَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، بَلْ تَكُونُ فِي الْحَائِطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْقِرَاضِ مُخْتَلَفًا فِيهِ انْتَهَى.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى فَسَادِ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ إجَارَةُ الْمِثْلِ، وَفِي بَعْضِهَا مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَمْ يُشَبِّهَا، وَالْمَعْنَى، وَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَى فَسَادِ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ، فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي بَعْضِ