انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَيَجْتَمِعُ فِي الْغَصْبِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِحَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى الْأَدَبُ وَالسَّجْنُ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْهُ عَفْوَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقَالَ عَقِيبَهُ: وَمَا ذَكَرَهُ خَالَفَهُ فِيهِ الْمُتَيْطِيُّ فَقَالَ: لَا يُؤَدَّبُ إنْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ وَالْغَصْبُ بَيْنَ الْكَافِرِينَ كَالْغَصْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ]

(تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْغَصْبُ بَيْنَ الْكَافِرِينَ كَالْغَصْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ابْنُ شَعْبَانَ وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَفِي اغْتِصَابِ الْوَالِدِ مِنْ وَلَدِهِ خِلَافٌ وَبِهَذَا أَقُولُ، انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيَسْتَوِي فِي حُكْمِهِ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمِينَ الْقَرَابَةِ وَالْأَجْنبِيِّينَ إلَّا الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ وَالْجَدَّ لِلْأَبِ مِنْ حَفِيدِهِ فَقِيلَ: لَا يُحْكَمُ لَهُمْ بِحُكْمِ الْغَاصِبِ الْأَجْنَبِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيكَ» ، انْتَهَى. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ إثْرَ نَقْلِهِ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ: وَبِهَذَا أَقُولُ.

(قُلْت) وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْبَاجِيُّ فِي سُنَنِ الصَّالِحِينَ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا وَأَشْعَارًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ مَا يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ» . وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقُدُومُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ مَا يُطْلَبُ مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ الْقَطْعِ وَالْأَيْمَانِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ وَالْقَتْلِ فِي بَابِ التَّغْلِيظِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَحُكْمُ الْجَدِّ جَارٍ عَلَى إلْحَاقِهِ بِالْأَبِ وَفِي الْمَذْهَبِ مَسَائِلُ تَشْهَدُ لِلْقَوْلَيْنِ، انْتَهَى. مِنْ أَوَّلِ مَسَائِلِ الْغَصْبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ وَفِي حَلِفِ الْمَجْهُولِ قَوْلَانِ)

ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْهَا: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ غَصْبًا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ بِهَذَا عُوقِبَ الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا نَظَرَ فِيهِ الْإِمَامُ وَأَحْلَفَهُ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْغَصْبُ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ هُدِّدَ وَسُجِنَ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَلَفَ.

وَفَائِدَةُ تَهْدِيدِهِ لَعَلَّهُ يُخْرِجُ عَيْنَ مَا غَصَبَ إذَا كَانَ يَعْرِفُ عَيْنَهُ وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَهْدِيدِهِ؛ إذْ لَوْ أَخْرَجَ بِالتَّهْدِيدِ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يُقِرَّ آمِنًا وَإِنْ كَانَ مِنْ وَسَطِ النَّاسِ لَا يَلِيقُ بِهِ سَرِقَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ وَلَا يَلْزَمُ رَامِيَهُ بِذَلِكَ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ لَزِمَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ الْأَدَبُ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ النُّكَتِ: قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا: الْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَمُبْرَزٌ بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُؤَدَّبُ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمُتَّهَمٌ مَعْرُوفٌ بِهَذَا فَيَحْلِفُ وَيُهَدَّدُ وَيُسْجَنُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ فِيهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَرَجُلٌ مُتَوَسِّطُ الْحَالِ بَيْنَ هَذَيْنِ يَكُونُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَانَ الْحُكْمُ فِي تَعَلُّقِ الْيَمِينِ وَالْعُقُوبَةِ رَاجِعًا إلَى حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ عُوقِبَ الْمُدَّعِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ وَأَشْكَلَ حَالُهُ لَمْ يُعَاقَبْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْبِهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِهِ حَلَفَ وَلَمْ يُعَاقَبْ الْمُدَّعِي وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالتَّعَدِّي وَالْغَصْبِ حَلَفَ وَضُرِبَ وَسُجِنَ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْجُحُودِ تُرِكَ وَاخْتُلِفَ إذَا اعْتَرَفَ بَعْدَ التَّهْدِيدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ: لَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَقِيلَ: إنْ عَيَّنَ أُخِذَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِإِقْرَارِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ.

وَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَيَّنَ الْمُدَّعَى فِيهِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ قَالَ: وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ يُرِيدُ الْقُضَاةَ وَمَا شَابَهَهُمْ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ كَانَ بِوَجْهٍ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحَقِّ عُقُوبَتُهُ وَسَجْنُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أُخِذَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنَّمَا الْإِقْرَارُ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ بِهِ مَا كَانَ ظُلْمًا أَنْ يُهَدِّدَ وَيَضْرِبَ مَنْ لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ بِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْقِتَالِ وَالسَّيْفِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ كَالطَّائِعِ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَلَوْ أُكْرِهَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015