لَا يَلْزَمُ الْغَرِيمَ أَنْ يَدْفَعَ إلَّا مَا يَبْرَأُ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ بِبَيِّنَةٍ، فَطَالَبَ صَاحِبُهُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يُحْضِرَ الْوَثِيقَةَ، وَتَسْقُطَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ وَالدَّفْعُ بِالْإِقْرَارِ لَا يَبْرَأُ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إنْ جَحَدَ الْوَكَالَةَ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ ثَانِيَةً وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ وَتَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَنْ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ بِالتَّوْكِيلِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِلْمُ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ بِتَسْلِيمِ مَا فِي يَدِهِ إلَى الْوَكِيلِ انْتَهَى.
، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْكِتَابِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَحْكَامٍ تَتَوَقَّفُ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى إثْبَاتِ فُصُولٍ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَنَصُّهُ، وَلَوْ صَدَّقَ الْخَصْمُ الْوَكِيلَ فِي الدَّعْوَى، وَاعْتَرَفَ بِالْمُدَّعَى بِهِ لَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَى دَفْعِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَوَاحِدٌ فِي خُصُومَةٍ وَقَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ عَلَى الدَّعْوَى: إنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ، وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ أُلْزِمَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَنَصُّهُ مَسْأَلَةٌ فِي الْمَطْلُوبِ يُوَافِقُ عَلَى صِحَّةِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَإِذَا قَامَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي مَهْرِ امْرَأَتِهِ أَوْ دَيْنِ رَجُلٍ وَادَّعَى وَكَالَةَ صَاحِبِ ذَلِكَ فَأَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ أَوْ بِالْمَهْرِ وَاعْتَرَفَ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ، فَإِنْ قَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى الْمَطْلُوبِ يَطْلُبُهُ بِذَلِكَ قَضَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْضَى عَلَيْهِ أَوَّلًا بِإِقْرَارِهِ وَالْمُصِيبَةُ مِنْهُ انْتَهَى.
وَلَهُ فِي الْبَابِ السَّبْعِينَ فِي الْقَضَاءِ بِالْأَمَارَاتِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَعَزَاهُ لِلْمُتَيْطِيَّةِ وَنَصُّهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ وَكَّلَنِي فُلَانٌ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْك وَعَدَدُهُ كَذَا فَصَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ. فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ غَرِمَ الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بِإِقْرَارِهِ انْتَهَى.
وَفِيهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ هَذَا وَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الدَّفْعِ جَارٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَرْجَحُ، وَيَكْفِي فِي تَرْجِيحِهِ اقْتِصَارُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَاللَّخْمِيِّ عَلَيْهِ وَتَشْهِيرُ ابْنِ فَرْحُونٍ لَهُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي شَهَادَتِهِ عَدَمُ قَبُولِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ الثَّانِي الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّ مَفْهُومَهُ لَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْمَعُونَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَصْلٌ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدَّفْعِ، فَمَتَى دَفَعَ إلَى مَنْ يَعْتَرِفُ لَهُ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْوَكَالَةِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ لَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، فَقَدْ بَرِئَ وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ، وَأَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْحَقَّ بَرِئَ الْغَرِيمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَكَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِبْرَاءِ كَمَا لَوْ بَعَثَ بِهِ الْغَرِيمُ عَلَى يَدِ رَسُولٍ ابْتِدَاءً، وَاعْتَرَفَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِقَبْضِهِ لَبَرِئَ الْغَرِيمُ فَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْوَكَالَةِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ أَوْ إنْكَارِهِ وَلَزِمَ الْغَرِيمَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ غَرِمَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَ مَالَهُ حِينَ دَفَعَ إلَى مَنْ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِبَيِّنَةٍ، فَدَفَعَ الْغَرِيمُ إلَى الْوَكِيلِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَغْرَمُ الْمَالَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُوَكِّلِهِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَغْرَمُ الْمَالَ ثَانِيَةً وَلَهُ إحْلَافُ صَاحِبِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِدَفْعِهِ الْحَقَّ إلَى وَكِيلِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَأَقَامَهَا فَإِنَّ الْغَرِيمَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ.
وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ شَهِدَتْ بِقَبْضِ صَاحِبِ الْحَقِّ لِحَقِّهِ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَى صَاحِبِ الْحَقِّ بِغَيْرِ