يَضُرُّهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يَجْهَلُ ذَلِكَ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ مَا أَسْلَفْتَنِي وَمَا أَوْدَعْتَنِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَا لَكَ عِنْدِي سَلَفٌ وَلَا وَدِيعَةٌ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ إلَّا إذَا حُقِّقَ عَلَيْهِ، وَقُدِّرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ تُنْكِرُ هَذَا أَصْلًا، فَإِذَا قَامَتْ عَلَيْكَ الْبَيِّنَةُ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُك فَإِذَا اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ النَّوَادِرِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الرُّعَيْنِيُّ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ فَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُرْسَلِ مَعَهُ إلَى الْجَارِ هُوَ فِي سَمَاعِ عِيسَى وَجَعَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا وَمَا قَالَهُ الرُّعَيْنِيُّ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ فِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ ابْتِدَاءِ الْقَضَاءِ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، فَقَدْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَوْ قَالَ غَيْرُ الْمُفَوَّضِ قَبَضْت وَتَلِفَ بَرِئَ وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ)
ش: كَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ وَلَا يُعَارِضُهَا مَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ وَلَا مَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَرْعٌ: قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى خُرُوجِ السَّاعِي: يَحْصُلُ الْإِبْرَاءُ بِالدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ الْفَاسِقِ وَإِنْ لَمْ يُوَصِّلْ الْحَقَّ لِمُسْتَحِقِّهِ انْتَهَى.
وَمُرَادُهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ مَا وُكِّلَ فِيهِ أَوْ كَانَ وَكِيلًا مُفَوَّضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْبَرَاءَةِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ ادَّعَى وَكَالَةَ رَجُلٍ فَقَبَضَ لَهُ مَالَهُ وَادَّعَى تَلَفَهُ، فَقِيلَ يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ الْوَكَالَةِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ الدَّافِعَ إلَيْهِ قَدْ صَدَّقَهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْمَالِ بِهِ عَلَى الْغَرِيمِ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ لِلْغَرِيمِ بَيِّنَةٌ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، وَهَذَا يَأْتِي عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى هَذِهِ، وَلَا يَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْوَكَالَةِ بِيَمِينِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ أَقَرَّ بِهَا صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى مَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرَّطَ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِلْمُوَكِّلِ حَتَّى تَلِفَ عِنْدَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَمَلَهُ مُطَرِّفٌ عَلَى التَّفْرِيطِ، فَأَوْجَبَ لِلْغَرِيمِ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَصْدُقُ وَهُوَ ضَامِنٌ يَحْلِفُ صَاحِبُ الْمَالِ مَا وَكَّلَهُ وَيَرْجِعُ بِمَالِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ يَأْتِي عَلَى مَا فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَاهُ يَحْلِفُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَكَالَةِ، فَيَلْزَمُ الْغَرِيمَ بَعْدَ يَمِينِ صَاحِبِ الْمَالِ أَنَّهُ مَا وَكَّلَهُ، وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَ عَبْدًا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي رَقَبَتِهِ أَمْ لَا؟
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْغَرِيمُ قَدْ صَدَّقَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ صَدَّقَهُ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوَكَالَةِ وَدَفَعَ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي رَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْعَدَاءِ انْتَهَى
ص (وَصُدِّقَ فِي الرَّدِّ كَالْمُودَعِ