وَنَازَعَهُ الْمُوَكِّلُ فِي ذَلِكَ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَمْ يُبَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا الَّذِي يَضْمَنُهُ وَهَلْ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ أَوْ مَعَ فَوَاتِهَا؟ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً خُيِّرَ الْمُوَكِّلُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَأَخَذَ مَا بِيعَتْ بِهِ أَوْ نُقِضَ الْبَيْعُ وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ وَإِنْ فَاتَتْ خُيِّرَ فِي أَخْذِ مَا بِيعَتْ بِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْوَكِيلِ قِيمَتَهَا قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ بَاعَ الْمَأْمُورُ سِلْعَةً بِطَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا، وَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرْتَنِي وَأَنْكَرَ الْآمِرُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُبَاعُ بِذَلِكَ ضَمِنَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً لَمْ يَضْمَنْ الْمَأْمُورُ وَخُيِّرَ الْآمِرُ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا بِيعَتْ بِهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ قِيمَتَهَا وَيُسْلِمُ ذَلِكَ إلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ ضَمِنَ ظَاهِرُهُ فَاتَتْ السِّلْعَةُ أَمْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ فَقَوْلُ الْغَيْرِ وِفَاقٌ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ انْتَهَى.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ضَمِنَ أَيْ ضَمِنَ قِيمَةَ السِّلْعَةِ يُرِيدُ مَعَ فَوَاتِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً. فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي إجَازَةِ الْبَيْعِ، وَرَدِّهِ وَذَلِكَ بَعْدَ يَمِينِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ عِيَاضٍ الْآتِي هُنَا وَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَقْدًا اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا بَاعَ بِذَلِكَ إلَى أَجَلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرِّضَا بِهِ، وَلَا أَخْذُ الْقِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَانْظُرْ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا لِغَيْرِهِ وَاحْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ وَالْخِصَامُ فِيهِ هَلْ هُوَ فَوْتٌ؟ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ فَوْتٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ وَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا الَّذِي لَا إشْكَالَ فِيهِ إذَا أَعْلَمَ الْمَأْمُورُ الْمُشْتَرِيَ بِتَعَدِّيهِ انْتَهَى، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَادَّعَى الْإِذْنَ فَنُوزِعَ فَأَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مُنَازَعَتَهُ فِي الْإِذْنِ وَمُخَاصَمَتَهُ فِي ذَلِكَ وَتَوْجِيهُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَوْتٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ هَلْ السِّلْعَةُ قَائِمَةٌ أَوْ فَاتَتْ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذَا لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَائِدَةٌ فَإِنَّهَا: مُسْتَفَادَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: لِلْمُوَكِّلِ رَدُّ الْبَيْعِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ انْتَهَى. مِنْ الْجَزِيرِيِّ انْتَهَى.
وَفِي الذَّخِيرَةِ فَرْعٌ: قَالَ عَلِيٌّ الْبَصْرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ رَدَّ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِعَزْلِهِ عَنْ ذَلِكَ عَادَةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ، وَجَوَابُهُ عُمُومُهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَادَةِ، كَذَلِكَ مَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْعَهُ بِالدَّيْنِ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. .
ص (وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَبْضَ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَشَهِدَتْ بِالتَّلَفِ كَالْمِدْيَانِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ أَوْ قَبَضَ ثَمَنَ مَا وُكِّلَ عَلَى بَيْعِهِ، فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ قَالَ: تَلِفَ أَوْ رَدَدْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ كَالْمِدْيَانِ يُنْكِرُ الدَّيْنَ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ، وَادَّعَى الْقَضَاءَ هُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَنْكَرَ حَقًّا فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَادَّعَى الْقَضَاءَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ فِي هَذَا: الْأَصْلُ إنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ هُنَا أَعْنِي فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَسَائِلَ وَجَزَمَ فِيهَا بِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ هَذَا الْأَصْلَ وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا وَذَكَرَ ابْنُ زَرْقُونٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ بَيِّنَتَهُ تَنْفَعُهُ وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْتَمِدْ تَشْهِيرَهُ وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ وَفِي بَابِ الْقِرَاضِ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَا الْخِلَافَ فِيمَنْ أَنْكَرَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ مِنْ قِرَاضٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَمَّا إنْ أَنْكَرَ شَيْئًا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ أَوْ أَنْكَرَ الدَّعْوَى فِي الرَّبْعِ أَوْ فِيمَا يُفْضِي إلَى الْحُدُودِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إنْكَارِهِ لِأَمْرٍ ادَّعَاهُ أَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ لِابْنِ نَافِع يُقْبَلُ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الثَّانِي لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَتَى بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
الثَّالِثُ: لِابْنِ الْمَوَّازِ يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا الرَّابِعُ: يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُدُودِ وَالْأَمْوَالِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ مِنْ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْمُتَمَوِّلَاتِ وَهُوَ قَوْلُ