مُنَاشَبَتِهِ لِلْخِصَامِ وَمُقَاعَدَةِ خَصْمِهِ ثَلَاثًا وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا أَعْلَنَ بِعَزْلِهِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي تَأْخِيرِ إعْلَامِ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ عَزَلَهُ سِرًّا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا فَعَلَهُ الْوَكِيلُ وَمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جَعَلَ لَهُ الْإِقْرَارَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِمَا وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ فِي أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْوَكِيلِ إذَا قُيِّدَتْ عَلَيْهِ مَقَالَةٌ بِإِقْرَارِهِ عَلَى وَكِيلِهِ الَّذِي وَكَّلَهُ فَلَمَّا طَلَبَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ اسْتَظْهَرَ مُوَكِّلُهُ بِعُزْلَةِ عَزْلِهِ إيَّاهَا قَبْلَ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ دُونَ أَنْ يَعْلَمَ الْوَكِيلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَسْقُطُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ مَا يُقَيَّدُ عَلَى الْوَكِيلِ لَازِمٌ لِمُوَكِّلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَزَلَهُ قَبْلَ مُنَاشَبَةِ الْخِصَامِ عَزْلًا أَعْلَنَ بِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي تَأْخِيرِ إعْلَامِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ مُنَاشَبَةِ الْخِصَامِ أَوْ قَبْلَهُ سِرًّا فَلَا يَجُوزُ عَزْلُهُ انْتَهَى.
فَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَشْهَدَ فِي السِّرِّ بِعَزْلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ مَعَ إشْهَادِهِ سِرًّا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُهُ فَقَطْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَبَقِيَّةُ الْجَوَابِ فِي نَوَازِلِهِ مَا نَصُّهُ: إذْ لَا يَجُوزُ لِمَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا عَلَى الْخِصَامِ أَنْ يَعْزِلَهُ بَعْدَ أَنْ نَاشَبَ خَصْمَهُ فِي الْخِصَامِ وَقَاعَدَهُ فِيهِ وَلَا قَبْلَ ذَلِكَ سِرًّا إذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَشَأْ أَحَدٌ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا عَنْ الْمُخَاصَمَةِ عَنْهُ وَيُشْهِدُ فِي السِّرِّ عَلَى عَزْلِهِ إلَّا فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى لَهُ سَكَتَ وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ كُنْتُ عَزَلْتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: هَذَا الَّذِي أَقُولُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ سِوَاهُ عَلَى أُصُولِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ مِنْ خِلَافٍ انْتَهَى. وَقَالَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُ الْيَتِيمَ إقْرَارُ وَكِيلِ وَصِيِّهِ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا يَلْزَمُهُ فِيهِ إقْرَارُ الْوَصِيِّ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَكَّلَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَمَا يُقَيَّدُ عَلَى وَكِيلِ الْخِصَامِ مِنْ الْمَقَالَاتِ لَازِمٌ لِمَنْ وَكَّلَهُ مَا لَمْ يَعْزِلْهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الَّذِي وَكَّلَهُ عِنْدَهُ عَلَى الْخِصَامِ انْتَهَى.
وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَبِيعَ عَلَيْهِ وَيُفَاصِلَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَذَهَبَ الْوَكِيلُ بِالتَّوْكِيلِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَفَاصَلَ وَبَاعَ، ثُمَّ إنَّ الْمُوَكِّلَ اسْتَظْهَرَ بِأَنْ عَزَلَهُ بَعْدَ أَنْ وَكَّلَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذِهِ الْعُزْلَةِ، وَيَنْفُذُ عَلَيْهِ مَا عَمِلَهُ الْوَكِيلُ إلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِعُزْلَتِهِ أَوْ بِعَزْلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يَمْضِي عَلَيْهِ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ عَزْلَهُ فِي السِّرَّ مِنْ الْخُدْعَةِ وَالْقَصْدِ إلَى الْغِشِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورِينَ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَزْلِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ عِلْمِهِ وَإِنَّمَا يَنْعَزِلُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ انْعِزَالِهِ بِعَزْلِهِ سِرًّا وَيُبَيِّنُ هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَهْمَا شَرَعَ فِي الْخُصُومَةِ فَلَا يَنْعَزِلُ وَلَوْ بِحُضُورِهِمَا قَالَ لَمَّا ذَكَرَ الْعَزْلَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ الْعَزْلَ بَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْوَكَالَةِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَوْ أَصْرَحُ مِنْهُ وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَلَّابِ إذَا وَكَّلْت وَكِيلًا فِي بَيْعِ رَهْنٍ لَيْسَ لَكَ عَزْلُ الْوَكِيلِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَكَ الْعَزْلُ كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى فَإِذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ فَسْخَ وَكَالَةِ الْوَكِيلِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: لَهُ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَرْعٌ: وَاخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ أَوْ اشْتِرَائِهَا أَوْ سَمَّى لَهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا هَلْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ؟ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ أَوْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَازِرِيُّ وَعَدَّهَا الْأَشْيَاخُ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُشْتَرِيَ وَسَمَّى لَهُ الثَّمَنَ وَقَالَ لَهُ: شَاوِرْنِي أَنَّ لَهُ عَزْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهُ الثَّمَنَ وَلَا قَالَ لَهُ: شَاوِرْنِي فَهَذَا مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ وَالِاضْطِرَابِ وَاخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا فَهَلْ لَهُ