عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَشَرْطُ إيجَابِ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ وَغَيْرُهُ فِي التَّعْلِيقِ فِي يَمِينٍ كَذَلِكَ مِنْ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ يَنْفُذُ مِنْهُ، انْتَهَى.
وَشَمَلَ قَوْلُهُ: كُلِّفَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةَ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي النَّذْرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَا لَكِنْ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُمَا مِنْ الْوَفَاءِ بِهِ فِي حَالِ الرِّقِّ، فَإِذَا أُعْتِقَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَا، فَإِنْ رَدَّ سَيِّدُهُمَا النَّذْرَ وَأَبْطَلَهُ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ كُلُّ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ حُرٌّ فَعَتَقَ ثُمَّ ابْتَاعَ رَقِيقًا قَبْلَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَبِيدِ مَا يَمْلِكُ.
وَهُوَ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ، إذْ لَا يَجُوزُ عِتْقُ الْعَبْدِ لِعَبِيدِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ سَوَاءٌ تَطَوَّعَ بِعِتْقِهِمْ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ فَحَنِثَ إلَّا أَنْ يُعْتِقَ وَهُمْ فِي يَدِهِ فَيَعْتِقُونَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَرُدَّ السَّيِّدُ عِتْقَهُ حِينَ عَتَقَ، أَمَّا إنْ رَدَّهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ وَبَعْدَ حِنْثِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِمْ عِتْقٌ وَلَزِمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ عِتْقُ مَا يَمْلِكُ بَقِيَّةَ الْأَجَلِ، وَكَذَلِكَ أَمَةٌ حَلَفَتْ بِصَدَقَةِ مَالِهَا أَنْ لَا تُكَلِّمَ أُخْتَهَا فَعَلَيْهَا إنْ كَلَّمَتْهَا صَدَقَةٌ ثُلُثُ مَالِهَا ذَلِكَ بَعْدَ عِتْقِهَا إذَا لَمْ يَرُدَّ السَّيِّدُ ذَلِكَ حَتَّى عَتَقَتْ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُدْبَرٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ كَفَالَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَجُزْ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَإِنْ عَتَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا حَتَّى عَتَقُوا لَزِمَهُمْ ذَلِكَ عَلِمَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَذْرُ ذِي رِقٍّ مَا يَلْزَمُ الْحُرَّ يَلْزَمُهُ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ فَعَلَهُ ابْنُ حَارِثٍ اتَّفَقُوا فِي الْأَمَةِ تَنْذُرُ مَشْيَهَا إلَى مَكَّةَ فَيَرُدُّهُ رَبُّهَا، ثُمَّ تَعْتِقُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا لَوْ رَدَّ صَدَقَةَ نَذْرِهَا فَفِي سُقُوطِهَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَرِوَايَةُ اعْتِكَافِهَا، وَفِي سُقُوطِ نَذْرِهِ بِرَدِّ رَبِّهِ عِتْقُهُ مُتَقَدِّمٌ، نَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي نَذْرِهِ حِجًّا، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ سُئِلَ أَمْرًا فَقَالَ: عَلَيَّ فِيهِ صَدَقَةٌ أَوْ مَشْيٌ كَاذِبًا إنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَمْنَعَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْيَمِينِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِي الْيَمِينِ هَلْ تَنْعَقِدُ بِإِنْشَاءِ كَلَامِ النَّفْسِ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ وَانْظُرْ أَيْضًا هَلْ يَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَحْدَهُ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ أَوْ يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ كَمَا فِي الْيَمِينِ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْحُكْمِ، السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فَإِذَا قُلْتُمْ: إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ إنْشَاءٌ فِي النَّفْسِ، وَالنَّذْرُ أَيْضًا إنْشَاءُ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ مُتَقَرِّرًا فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْإِنْشَاءِ، وَإِنَّ كِلَيْهِمَا مُتَعَلِّقٌ يَجْرِي دُونَ شَرْعٍ عَامٍّ، فَهَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ أَوْ هُمَا سَوَاءٌ، جَوَابُهُ أَنَّهُمَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِنْشَاءِ فَبَيْنَهُمَا فُرُوقٌ: أَحَدُهَا أَنَّ الْعُمْدَةَ الْكُبْرَى فِي النَّذْرِ اللَّفْظُ فَإِنَّهُ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ النَّاقِلُ لِذَلِكَ الْمَنْدُوبِ الْمَنْذُورِ إلَى الْوُجُوبِ، كَمَا أَنَّ سَبَبَ حُكْمِ الْحَاكِمِ إنَّمَا هُوَ الْحُجَّةُ، وَسَبَبُ حُكْمِ الْحَاكِمِ يَسْتَقِلُّ دُونَ نُطْقٍ، وَالْقَوْلُ الْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ بِمَا حَكَمَ بِهِ، وَأَمْرٌ بِالتَّحَمُّلِ عَنْهُ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: وَاتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْقُرْبِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الرِّضَا لَا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ، وَصُرِّحَ فِيهِ بِلَفْظِ النَّذْرِ لَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ، وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ النَّذْرِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ هَلْ يَجِبُ النَّذْرُ بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ مَعًا أَوْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ.؟ فَمَنْ قَالَ بِهِمَا مَعًا قَالَ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ نَذْرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِوُجُوبِ شَيْءٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِجِهَةِ الْوُجُوبِ، وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اللَّفْظُ قَالَ يَنْعَقِدُ النَّذْرُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، أَعْنِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ النَّذْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ