لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يُمَاطِلَ، وَقَدْ فَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْحِنْثُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ، وَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لَا يَلِدَ، انْتَهَى.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ هُوَ صَرِيحًا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ ظَاهِرُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ. قَالَ فِيهَا فِي عَبْدٍ مَمْلُوكٍ حَلَفَ لِغَرِيمٍ لَهُ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعَةٌ خَافَ الْحِنْثَ فَعَمَدَ إلَى غَرِيمٍ لِسَيِّدِهِ فَتَقَاضَى مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَقَضَى غَرِيمَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ سَيِّدُهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ مَا قَضَاهُ الْغُلَامُ قَالَ مَالِكٌ أَرَاهُ حَانِثًا. وَكَذَلِكَ لَوْ سَرَقَهَا فَقَضَاهُ إيَّاهَا حَانِثًا قِيلَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَجَازَ السَّيِّدُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ. قَالَ: مَا أَرَى مِنْ أَمْرٍ بَيِّنٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَرَاهُ فِي هَذَا حَانِثًا حِينَ لَمْ يُجْزِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَعْطَاهُ عَبْدُهُ مِنْ مَالِهِ أَخَذَهُ، فَإِنَّمَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْأَجَلِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ عَلِمَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَأَجَازَ بَرَّ الْعَبْدُ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْ وَأَخَذَ حَقَّهُ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ غَرِيمَهُ ثَانِيَةً قَبْلَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا، وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ الْعَبْدَ حَانِثٌ أَجَازَ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يُجِزْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمُسْتَحِقُّ مَا اسْتَحَقَّ أَوْ لَا يَأْخُذُهُ، وَظَاهِرُ مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ.

وَالثَّانِي لِابْنِ كِنَانَةَ أَنَّهُ إنْ أَجَازَ السَّيِّدُ وَإِلَّا حَنِثَ.

وَالثَّالِثُ لَا حِنْثَ عَلَى الْعَبْدِ أَجَازَ السَّيِّدُ أَوْ لَمْ يُجِزْ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مَا مَضَى إلَّا وَقَدْ اقْتَضَى الْغَرِيمُ حَقَّهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ تَلِفَ كَانَتْ مُصِيبَتُهُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَدْخُلُ بِأَقَلِّ الْوُجُوهِ، انْتَهَى.

وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِنِسْبَةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِلْمُدَوَّنَةِ قَالَ: إنْ كَانَ عَالِمًا حَنِثَ وَيُخْتَلَفُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يَحْنَثُ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَأْخُذْهَا الْمُسْتَحِقُّ، فَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يَحْنَثُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: صَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْحِنْثِ إذَا لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَيَانِ ثَالِثًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَحِقُّ، انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ كَلَامِ الْبَيَانِ الْمُشَارُ إلَيْهِ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قِيلَ: وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا اسْتَحَقَّ الْعَيْنَ بَعْدَ الْأَجَلِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ أَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، انْتَهَى. وَمَا حَكَاهُ بِقِيلَ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَصُّهُ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الدِّينَارِ بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْغَرِيمِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَرَقَهُ الْعَبْدُ أَوْ اقْتَضَاهُ مِنْ غَرِيمِ سَيِّدِهِ فَقَضَاهُ إيَّاهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّنَانِيرَ تَتَعَيَّنُ.

وَأَمَّا إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَلَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ سَبِيلٌ إلَى غَرِيمِ الْعَبْدِ وَيَرْجِعُ عَلَى عَبْدِهِ بِالدَّنَانِيرِ إنْ كَانَ وَكِيلًا لَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ أَوْ عَلَى غَرِيمٍ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُتَعَدِّيًا فِي الِاقْتِضَاءِ وَيَبَرُّ الْعَبْدُ فِي يَمِينِهِ، انْتَهَى.

[فَرْعٌ حَلَفَ ليقضين فُلَانًا حَقَّهُ فِي الْأَجَلِ الْفُلَانِيِّ فَأَعْطَاهُ رَهْنًا]

(فَرْعٌ) مَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ فِي الْأَجَلِ الْفُلَانِيِّ فَأَعْطَاهُ رَهْنًا لَمْ يَبَرَّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَبَرُّ بِذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَذْرِ سَنَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ لَا يَرَى الْبِرَّ إلَّا بِأَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَبَرُّ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنَّهُ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَعْزُ أَحَدُهُمَا لِلْمُدَوَّنَةِ، وَوَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنَّهُ أَوْصَلَ لِغَرِيمِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَنَوَى أَنَّهُ أَعْطَى لِشَرِيكِهِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرِ وَأَعْطَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ رَهْنًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّيَّةَ تَنْفَعُهُ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ إعْطَاءَ الرَّهْنِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ قَضَاءِ الْحَقِّ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ مَسْأَلَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّلْ عَدَمَ الْحِنْثِ بِأَنَّ إعْطَاءَ الرَّهْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015