لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: لَا سَاكَنْتُكَ، أَوْ لَا سَكَنْت مَعَكَ، أَوْ لَا جَاوَرْتُكَ، وَظَاهِرُ الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ لَفْظَ الْمُجَاوَرَةِ أَشَدُّ فِي طَالِبِ التَّبَاعُدِ عَلَى مَا فَهِمْت، وَهُوَ أَبْيَنُ، انْتَهَى. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: انْتَقَلَ الِانْتِقَالُ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا حِينَ الْيَمِينِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَا حِينَ الْيَمِينِ فِي حَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رَبَضٍ وَاحِدٍ انْتَقَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ تِلْكَ الْحَارَةِ إلَى حَارَةٍ أُخْرَى وَإِلَى رَبَضٍ آخَرَ حَيْثُ لَا يَجْتَمِعَانِ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا حِينَ الْيَمِينِ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ انْتَقَلَ عَنْهَا إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي قَرْيَةٍ بَعُدَ عَنْهُ إلَى حَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي مَسْقًى وَلَا مَحْطَبٍ وَلَا مَسْرَحٍ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُجَاوِرَهُ أَوْ لَيَنْتَقِلَنَّ عَنْهُ فَلْيَنْتَقِلْ حَيْثُ يَنْقَطِعُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ خُلْطَةِ الْعِيَالِ وَالصِّبْيَانِ حَتَّى لَا يَنَالَ بَعْضُهُمْ بَعْضَهُمْ فِي الْعَارِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِ إلَّا بِالْكُلْفَةِ وَالتَّعَبِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَيْضًا: فَإِنْ انْتَقَلَ أَحَدُهُمَا إلَى الْعُلُوِّ وَبَقِيَ الْآخَرُ فِي السُّفْلِ أَجْزَأَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَرَأَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكْفِي إذَا كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَجْلِ الْمَاعُونِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ عَدَاوَةٍ حَصَلَتْ بَيْنَهُمَا فَلَا يَكْفِي، وَمِثْلُ انْتِقَالِ أَحَدِهِمَا إلَى الْعُلُوِّ انْتِقَالُهُمَا إلَى دَارٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ وَحُجَرٌ سَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُورَةً، وَإِنْ كَانَا حِينَ الْيَمِينِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي عُلُوٍّ وَالْآخَرُ فِي سُفْلٍ، أَوْ كَانَا فِي دَارٍ ذَاتِ مَقَاصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَقْصُورَةٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْتَقِلَا فَيَسْكُنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَنْزِلٍ مُخْتَصٍّ بِهِ، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فُرُوعٌ) (الْأَوَّلُ) إذَا حَلَفَ لَا سَاكَنَهُ وَهُمَا فِي دَارٍ لَمْ يَحْنَثْ إذَا سَاكَنَهُ فِي بَلَدٍ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا بِسَاطٌ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى ذَلِكَ اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) فَقَالَ الْبِسَاطِيُّ الِانْتِقَالُ هُنَا يَصْدُقُ بِانْتِقَالِهِمَا مَعًا أَوْ بِانْتِقَالِ أَحَدِهِمَا، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا كَانَا لَكِنَّهُ يَصْدُقُ بِانْتِقَالِ أَحَدِهِمَا إلَى مَوْضِعِ الْآخَرِ مَعَ بَقَاءِ الْحِنْثِ اهـ. بِالْمَعْنَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ لِمَنْ اعْتَنَى بِكَلَامِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ أَنَّهُ يَصْدُقُ بِانْتِقَالِهِمَا مَعًا أَوْ بِانْتِقَالِ أَحَدِهِمَا هُوَ عَامٌّ حَتَّى فِي الْقَرْيَتَيْنِ وَالْحَارَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْنَثُ فِي لَا سَاكَنَهُ بِسَفَرِهِ مَعَهُ وَيَنْوِي ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ لِمُحَمَّدٍ عَنْ أَشْهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّنَحِّيَ عَنْهُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ آذَاهُ جَارُهُ فَحَلَفَ لَا سَاكَنْتُكَ أَوْ قَالَ جَاوَرْتُكَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَأَمَّا إنْ كَرِهَ مُجَاوَرَتَهُ أَبَدًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: لَا سَاكَنْتُكَ بِمِصْرَ فَسَاكَنَهُ بِغَيْرِهَا مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ، انْتَهَى.
ص (لَا لِدُخُولِ عِيَالٍ)
ش: يُشِيرُ لِقَوْلِهِ: فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَتْ لِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ وَالصِّبْيَانِ فَهُوَ أَخَفُّ ابْنُ يُونُسَ أَيْ لَا يَحْنَثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إنْ لَمْ يُكْثِرْهَا نَهَارًا أَوْ بَيَّتَ بِلَا مَرَضٍ)
ش: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ إنْ أَطَالَ التَّزَاوُرَ، فَقَالَ أَشْهَبُ وَأَصْبَغُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يَحْنَثُ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الطُّولِ فَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُكْثِرَ الزِّيَارَةَ نَهَارًا وَيَبِيتَ بِغَيْرِ مَرَضٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ عَلَى غَيْرِ مَرَضٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَمِثْلُهُ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.
(فَرْعٌ) الْحَالِفُ لَا يَأْوِي إلَى فُلَانٍ فَأَلْجَأَهُ مَطَرٌ أَوْ خَوْفٌ وَجَنَّهُ اللَّيْلُ فَأَوَى إلَيْهِ لَيْلَةً أَوْ بَعْضَ لَيْلَةٍ فَقَدْ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى السُّكْنَى اهـ. مِنْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ