فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفَ إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ، فَرَمَاهُ فِي اللَّيْلِ، وَفِيمَا بَقِيَ مِنْهَا انْتَهَى، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ رُشْدٍ هُنَا لِتَعَدُّدِ الْهَدْيِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ حُكْمِ مِنًى وَالرَّمْيِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى التَّعْجِيلِ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ بِمِنًى ثُمَّ أَرَادَ التَّعْجِيلَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ جَهِلَ فَتَعَجَّلَ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَرْجِعْ لِيَبِيتَ بِمِنًى، وَكَذَلِكَ إذَا أَصْبَحَ عَادَ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لِخَطَإِ التَّعْجِيلِ، وَيُجْزِئُهُ عَنْ تَرْكِ الرَّمْيِ بَعْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ الْأُولَى، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَرْعِ الْمُتَعَجِّلِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الدَّمَ يَتَعَدَّدُ، وَذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ أَيْضًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ الْبَاجِيِّ (وَالْحَاصِلُ) أَنَّ فِي التَّعَدُّدِ مَعَ الْعَمْدِ قَوْلَيْنِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ يَتَعَدَّدُ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي مَنَاسِكِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ إلَخْ)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُورِ عَنْ الْإِفَاضَةِ تَبِعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْمُحْصَرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بَلْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ أَوَّلًا وَإِنْ وَقَفَ وَحُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ، فَحَجُّهُ تَمَّ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْإِفَاضَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَإِنْ تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ النُّسَخُ الَّتِي وَقَفْنَا عَلَيْهَا وَصَوَابُهُ وَإِنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ، وَبِهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ إنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ خَاصَّةً دَخَلَ مَكَّةَ، وَحَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ أَنَّ حَصْرَ الْعَدُوِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: عَنْ الْبَيْتِ، وَعَرَفَةَ مَعًا، وَعَنْ الْبَيْتِ فَقَطْ، وَعَنْ عَرَفَةَ فَقَطْ، وَبِمَا صَوَّرْنَاهُ يَكُونُ قَدْ اسْتَوَى هُنَا الثَّلَاثَةُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى.
(قُلْت) : مَا ذَكَرَهُ حَسَنٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَصْرِ عَنْ الْوُقُوفِ بِالْحَصْرِ عَنْ الْإِفَاضَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [البقرة: 198] لَكِنْ فِي إطْلَاقِ الْإِفَاضَةِ عَلَى الْوُقُوفِ بُعْدٌ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِفَاضَةَ عَلَى الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ لَا عَلَى الْوُقُوفِ، وَيَعْنِي بِهِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَحُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مِنْهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّامِنِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ: وَفَوَاتُهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ آخِرُهَا: فَوَاتُ أَعْمَالِهِ كُلِّهَا، وَالثَّانِي: فَوَاتُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ أَدْرَكَ غَيْرَهَا مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالثَّالِثُ: مَنْ أَقَامَ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ وَقَفَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَقِفْ انْتَهَى.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْوُقُوفِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ جُزَيٍّ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ نُصُوصِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَلَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ بِهَا، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ كَالنَّصِّ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً عِنْدَ الْفَجْرِ، وَكَانَ إنْ اشْتَغَلَ بِهَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَصَلَّى، وَلَوْ فَاتَ، وَأَيْضًا فَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ تَرَكَ الْخُرُوجَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَنْ تَرَكَهُ لِأَجْلِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : هَذَا الْقِسْمُ أَعْنِي الْمُحْصَرَ عَنْ الْوُقُوفِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي كَوْنِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، فَإِنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي حُكْمٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرُوا أَقْسَامَ الْمُحْصَرِ الثَّلَاثَةَ قَالُوا: وَلَا قَضَاءَ عَلَى مَحْصُورٍ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ الْآتِي فِي التَّنْبِيهِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا فَاتَهُ وَلَوْ كَانَ تَطَوُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَلَّابِ وَغَيْرِهِمَا.
(الثَّانِي) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ عَرَفَةَ لَا يُحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَإِنْ أُحْصِرَ